عدوى فيروس”كورونا”بمنظارعقيدة الإسلام
الأستاذ صابر معصوم القاسمي
ممايتضح أن الإسلام بما فيه أصوله وفروعه يرجع إلى أمرين توحيد الله _عزوجل_ ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إن التوحيد يتحدث عن معاني متفاوتة، ومن كافتها أن يقتنع العبد بجازمة الاعتقاد بأن كل خير وشرف هو بقضاء الله وقدره وأنه الفعال لما يريد، لايكون شيئ إلا بإرادته ولايخرج شيئ عن مشيئته وليس في العالم شيئ يخرج عن تقديره وأنه المدبر في أمورخلقه وشؤونهم في الدنيا والآخرة،لا يصدرأمر إلا عن تدبيره، فمن عرج على قول أو عمل أوعزم أو إدراك يرمز من قريب أوبعيد إلى ما يعاكس هذا الاقتناع، أومارس عادة تدلى إلى خلاف ذالك؛ جعل نفسه تتجافى عن التوحيد بحد لامعدود، تشرك بالله تظلم عليها فترى من أخطرالعذاب – عياذا بالله –، ﴿لاتشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم﴾1 و﴿ أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة وماواه الناروما للظالمين من أنصار﴾2
لافتا إلى موضوع البحث نقول : فإننا الجميع على حظ وافر من العلم أن العالم اليوم بكل أبعاده وآفاقه قد هبّت عليه رياح فزع الوباء الهائل باسم “فيروس كورونا”، ربما لم يره الناس في الماضي، ظل وسيظل التاريخ يذكره مدى الدهر، فكان العالم أصيب به بفاجعة غيرمسبوقة، ما تسببت بأضرارجسيمة في شتى النواحي والحقول المتبائنة لشعوب العالم.
يحتار كثير من المفكرين والبسطاء علىٰ حد سواء في إجابة السُّوال: لماذا يعترض للإنسان المكاره في حياته؟ – المكاره التي تشمل كل مايسوءه من الوباء والأسقام والآلام والأخرى من البليات.
وقد حدد الكتاب والسنة الغاية والسبب من وجود المكاره والمخاطر في حياة الإنسان بكل وضوح ودقة، وهو ابتلاء المسلم وتسبيب الشقاء للكافر ومعاقبته في الدنيا كما في الآخرة ﴿ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون﴾3. حكي عن ابن عباس في تفسيره : نبتليكم بالشدة والرخاء والصحة والسقم …..4 ، قال ابن تيمية : بل هوابتلاء وامتحان ….. وكان شقاء وسببا للشقاء في حق الكفار.5
مما يؤكد أن الابتلاء في حق المسلم يتقلب بين أنواع : أن يستخرج الله منه عبودية المكاره وهي الصبر حتى يتبين صدق صبره عليها، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمرالمؤمن أن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.6 وأن يمتحن الله العبد الشارد عنه ،هل يرد إليه وهل يركزبه بعد أن كان غافلا منه ويكف عن معصيته بعد أن كان متورطا فيها، فان العبد متى كان متمتعا بالمحاب أوصحيحا معافى تورط في ملذاته وأقبل على دنياه فنسي مولاه وتحين الشيطان غفلته فأوقعه في الشهوات والمعاصي، فإذا ابتلاه الله بالمكاره والضراء استشعرضعفه وذله وفقره إلى مولاه وتذكرتقصيره في حقه وتفريطه في جنبه فعاد إليه نادما متضرعا ﴿ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون.﴾7 ﴿وبلوناهم بالحسنات و السيئات لعلهم يرجعون.﴾8. وأن يختبرعقيدته – العبد المسلم – فهل هي تكسبه الرضاء والاطمينان لقدرالله متى ما يعتريه المكاره ؟ وهل تركز نفسه على أن تفوض كل ما أصاب إلى قدر الله وتدبيره وتقتنع بكل وثوق أنه لاشيئ – حتى المرض وغيره – يمتلك قوى خارقة تؤثرفي الكون إلا بأمرالله تعالى ؟ … ها هي تعبر عن العقيدة الصحيحة، وهي القضية الكبرى التي يجب أن يكون عليها الإنسان ليكون مسلما يتباعد عن الإشراك بالله تعالى. فان الشرك أكبر المعاصي عند الله، فهوالذنب الوحيدالذي لايغفره الله إلا بالتوبة ﴿إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفرمادون ذالك لمن يشاء﴾9
ومن المؤسف للغاية أن المسلمين بعضهم أوجلهم بدل أن يقفوا موقفا صائبا من العقيدة بخصوص الفيروس الراهن باتوا ليجددوا الفكرات والمعتقدات الجاهلية، فإن العرب والأمم الأخرى كانت على مستوى عام قبل الإسلام رهينة الخرافات والأساطير والأوهام والأخرى من الاعتقادات الباطلة بدرجة لاتوصف،حيث عمت أرجاء الأرض ولم يسلم منها شعب من الشعوب، حتى زعمت العرب – في بداية الأمر- أن الأسقام تمتلك قوى معدية من صاحبها إلى الآخر بدون أمرالله تعالى وقدره – عياذا بالله -. كما يعتقدون الطيرة والتشاؤم بالأشياء والألوان والأقوال ونحوذلك، فلما جاء الإسلام بنوره وهداه حرر العقل من سلطان الخرافة والأوهام بتشريعات وتوجيهات تضمن صفاء العقل والروح، وتوجه التعلق نحوالله وحده دون ماسواه، ومن ذلك: محاربة العدوى، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لاعدوى”10 وأمثال ذلك من الأحاديث. حتى ذهب رجال من العلماء إلى ما يدل عليه صريح الحديث من نفي العدوى وإلغاءها إطلاقا.
وإني قد بحثت في الشريعة الإسلامية – كماتيسرلي –بهذا الصدد، فوجدت هناك مايتلخص في: أنه لاشيئ من العلل والأسقام يعدي من صاحبه إلى الآخرطبعا بدون أمرالله تعالى. وهؤلاء العلماء محدثون ومجتهدون ورجال الفقه لم يتحقق خلافهم في هذاالحد، لأجل أن ذلك يناقض الإيمان الراسخ لدى المسلم بأن الله هوالمدبرفي كل شيئ وحده دون ماسواه ﴿ألاله الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ﴾11 والخلاف إنما تحقق في أن نفس العدوى تثبت أم لا؟ فذهب البعض إلى نفيها تماما بموجب ظاهرالحديث، كما أدليت به آنفا.والباحثون من العلماءلم يأخذوا هذا الرائ بعين الاعتبار، وهناك ممارسات طبية تقف موقف الاستغراب والاستهجان من هذا الرأي.
ومن التحقيق الحاسم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعن بمثل الحديث المذكورأعلاه إبطال العدوى تماما، بشهادة غيرقليل من الأحاديث بكل شفافية، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم : “فر من المجزوم كما تفر من الأسد”12 وثبت منه أيضا: “إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها”13 و” كان في وفدثقيف رجل مجزوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم إناقد بايعناك فارجع “14 “ولايوردن ممرض على مصح”.15
بل وكان غزوالنبي صلى الله عليه وسلم المقاومة والمكافحة لمااعتقد أصحاب الطبيعة والجاهلية من أن العلل المعدية– أمثال الجزام والجرب والجدر والحصبة والبخر والرمد والأمراض الوبائية، إلي غير ذالك- تؤثربطبعها– عياذا من الله–، فأطلعهم بقوله : “لاعدوى”ونحوذلك من الحديث، أنها لن تعدي طبعا بيد أنها تعدي مصادفة بمشيئة الله عزوجل. وإن الأخرى من الأحاديث تدل صارخة على هذا،إذ جاء في الحديث كما في صحيح البخاري: ” …. فقال أعرابي يارسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل لكأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أعدى الاول ؟”16 وعنه صلى الله عليه وسلم أنه: ” أخذ بيد مجزوم فوضعها معه في القصعة وقال:كل ثقة بالله وتوكلا عليه “.17 أجل، وفي الأغلب جرت العادة أن الله عزوجل جعل المداناة والمخالطة من أسباب العدوى، ولأجله ركز توجيه النبي صلى الله عليه وسلم “فرمن المجزوم …..” ونحو ذلك، على التباعد عن الجزام وسائر العلل المعدية تباعدا عن الأسباب الدائبة للدمار والهلاك كالجدار المائل والنار وطرح النفس أمام القطار الجاري وغير ذلك، وبوجه أخص ركز لمن يرى –من لم تمكن عقيدته– أن العدوى تتأكد بمجرد المداناة والمخالطة لابقدره تعالى . فالتوجيه النبوي يتضمن حسم المادة وسد الذرائع والحفاظ على العقيدة الصحيحة معا. وهذا التحقيق طريق أجمل يتسم بالتوسط والجامعية وأركزللتوفيق بين الروايات المعارضة دون أن تجري في رواية عملية الإهمال والرد.18
ويجدرلي أن أذكرنبذا من توجيهات الشيخ التهانوى بهذا الخصوص، بتغييريسير، فأوضح قائلا: إن هناك ثلاثة مذاهب: الاول: أن العدوى ثابتة ولاتتوقف على مشيئة الله تعالى وهذا كفر صريح، والثاني: اعتقاد ثبوت العدوى بالمشيئة، لكن المشيئة ضرورية، وهذا المذهب باطل، لكنه ليس بكفر، والثالث: أنه مقيد بالمشيئة والمشيئة ليست بضرورية إن شاء الله تعالى أعدى وإلا فلا، وهذا مذهب صحيح .19
فإذا لاحجر على أن يعتقد عدوى فيروس” كورونا” بالمشيئة، كما لامنع لأن يتخذ أيا من التدابير للوقاية منها ﴿ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾.20 نعم، لايجوز لأحد أن يتخذ عدوى هذا الفيروس لابمشيئة الله تعالى عقيدة عبر هذه التدابير، ممايؤدي ذلك إلى العقيدة الجاهلية الزائغة، فبالتالي لايتم انتماءه إلى جادة التوحيد بصلة، ويشق طريقه نحو الإشراك بالله تعالى–عياذا منه، بقي أن نعلم أن هناك توجيهات إيجابية وسلبية حول هذا الفيروس، حتى أن البعض بمن فيهم رجال الفقه والفتوى وباحثون وأطباء حذاق يختلف موقفهم تماما، يرون بكل تحدٍّ ووثوق أن هذا الفيروس”الكورونا” لم يوجد إلا في أرجاء محددة مختصة من العالم حيث وجد هناك عذابا من الله لأن يعتبربه كفار الدنيا وفجارها، أما انتيابه – هذا الفيروس – طول العالم وعرضه فهي قضية تحمل الشكوك بشكل أكثر بل وربما أن تكون استراتيجية سياسية دولية أو دعاية من جهات مصابة، يكمن السرههنا بلاشك ولاشك، وأضافوا: لونتطلع إلى مابلغنا من كثرة الأموات بسبب الفيروسات وازدياد العدوى على نطاق واسع؛ لوجدنا أن كل ذلك أمورسوف تدخل إطار الشكوك والشبهات بوصف كبير، بحجة أنا أصبحنا نشاهد أن الغالب من تلك الأموات قدحدثت بما اعتادها أدواء مختلفة عن “كورونا” فحرمت من مساعدات طبية في حينها، وبعضهاوقعت ضحية لدعايات كامنة حول هذا الفيروس، ..وهكذا. ولذلك كله تمس الحاجة بناجدا إلى لزوم الحيطة في اتخاذ التدابير الحازمة تجاه هذا الفيروس ، إذ الإسلام حث على اتخاذ التدابير الوقائية من بواعث تعتاد الهلاك جازما أوغالبا، ولاغرابة أن هذا الفيروس – بماتضمن الشكوك والتوجهات المتضاربة بصدده – ليس كذالك تماما. وفي الأقل نوجه شعورنا إلى لزوم الحيطة في باب الحظر عن امتثال تعاليم الإسلام وأحكامه في قالبها الصحيح وأماكنها المشروعة، فيحسن لنا رفض هذا التحظير الذي يبتني على أمرمحتمل، نعم محتمل، فلايغلق المساجد ولايوقف الجمع والجماعات ولايترك الفرجات في صفوف الصلوات بشكل يدع مجالا للكراهة فيها، ولايمنع كذالك عن أداء الحج والعمرة، كمالايرفض الميزات والقيم الإسلامية من المصافحة والمعانقة والقيام بإسعافات طبية وخدمات لازمة للمرضى والذين تقدم سنهم، وماإلى ذلك، خوفا من انتشارالفيروس. لانقول لرفض الحظرعلى البشرية المصابة حقيقة والتزام التدابير الحازمة تجاههم، كيف وأن الإسلام – كما أسلفنا – يسمح له على نحويين، أجل، نقول: أن نقف بين جنباتهم ونقوم بتوفيرهم المساندات والمعونات الطبية، إضافة إلى ذلك أن نساهم ببسالة في تكفين و تدفين من مات منهم على كل فإن من اللازم جدا لكل الفرد المسلم الحفاظ على عقيدته، كي لاتنتقل جراثيم العقيدة الزائغة – عقيدة العدوى طبعا لا قدرا – من هذا الفيروس إلى عقيدته الصائبة السليمة.
أخيرا اسمح لي – أخي القاري الكريم – بالوقوف معك حول هذا الفيروس بأمور من خلال الآتي:
أولا: نجد في الواقع الماضي عبرالكتاب و السنة أن سيدنا يونس _عليه السلام_ قد نجاه الله تعالى من بطن الحوت لأجل توبته وإكثاره من الاستغفار كما أنقذ به قومه من خطرمحدق، فليس من غريب أن يخلص جميعنا كذلك من هذا الوباء القاتل، إلى غيره من الصعاب والمخاطر بفضل التوبة والاستغفار، إذا ينبغي لنا الاعتناء بلبس أقنعة الاستغفار وغسل اليد من صابون التوبة وتغطية الرأس والبدن بلباس التقوى، ثانيا: نحن بحاجة إلى الالتزام بتعاليم الإسلام وجميع أحكامه وأن نسلك على درب الشريعة الإسلامية بشكل متكامل بجانب تجنب اللجوء إلى المعاصي والطغيان . فهذه هي المصالح الكبرى التي لابد منها للإنسان لمواجهة هذا الفيروس “الكورونا”. هذا والمسؤول من الله تعالى أن يوفقنا للحفاظ على عقيدتنا في منوالها الصحيح والبقاء على كيان الإسلام بشكله الصائب وأن يحفظ الجميع من هذا الوباء والفيروس القاتل وأن يشفي من أصيب به من المسلمين ، آمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
الكاتب: أستاذ أعلى بالجامعة الإسلامية فتية، شيتاغونغ، بنغلاديش.
(1) لقمان : 13
(2) المائدة : 72
(3) الأنبياء : 35
(4) تفسيرابن جرير : 17/25
(5) قاعدة في المحبّة : 176
(6) الصحيح لمسلم من حديث صهيب ح/999
(7) الأنعام : 32
(8) الأعراف : 8
(9) النساء : 48
(10) صحيح البخاري : 7557
(11) الأعراف : 54
(12) صحيح البخاري : 1767
(13) صحيح البخاري : 5728
(14) الصحيح لمسلم : 2231
(15) السنن لأبي داؤد : 2\3911
(16) مشكوة المصابيح : 391
(17) المصدر السابق
(18) بالإشارة إلى الفتاوى الشامية :6\757 والأشباه لابن النجيم المصري :585 والفتاوى المحمودية :3\327 -332
(19) أنفاس عيسى
(20) البقرة : 195