ظاهرة منكرة : مشاركة المسلمين في أعياد غير المسلمين
محمد إنعام الحق سراج المدني
الحمد لله كله و له الشكر كله، هو الذي أغدق علينا نعما كثيرة، كلها ثمينة غالية نفيسة، قال الله-تعالى-:”فبأي آلاء ربكما تكذبان”١ ومن أثمنها وأغلاها وأفضلها هو نعمة الإسلام، لولا الإسلام لما اهتدينا، ولما صمنا ولما صلينا، ولما علمنا الخير من الشر، ولما عرفنا مايقربنا إلى الجنة وما يبعدنا من النار، ولما عرفنا ماهو الخير والشر؟ وما هو الفلاح والفشل؟ ولما علمنا ماهي الإنسانية وما هي الهمجية ؟ ولما علمنا ماهي الهداية وما هي الغواية؟ ولما علمنا ماهي الربانية وما هي الشيطانية ؟ أرسل الله – تعالى- أشرف الأنبياء والرسل وهادي السبل وإمام الكل بعد فترة من الرسل محمد بن عبد الله – صلوات الله وسلامه عليه- إلي الناس كافة، وأنزل عليه القرآن لهداية البشيرية جمعاء إلى أفضل الطرق وأقوم السبل ، قال-تعالى-: “إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم”٢ أي يهدي لأقوم الطرق وأصوبها وأوضحها، و اتبع الرسول ﷺ وأ صحابه هداية القرآن حرفا بحرف، كلمة بكلمة، قولا بقول، وكذلك كان تابعوهم، ثم تابعو تابعيهم من بعدهم، كلما ابتعد الزمان من البعثة المحمدية ابتعد المسلمون عن جادة الإسلام رويدا رويدا، وذلك بسبب ابتعادهم عن تعليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة المطهرة.
وزاد الطين بلة لما غزا المستعمرون الأوربيون الحاقدون على الإسلام والمسلمين و بلاد المسلمين في بداية القرن السابع عشر الميلادي، افتروا على حقهم بشتى الجرائم،احتلوا أراضيهم، واستعبدوهم، ونهبوا ثرواتهم، وبسطوا أيديهم الخبيثة إلى مناهج تعليمهم، وغيروها رأسا على عقب، وفصلوا القرآن والسنة تماما عن منهاج تعليمهم، وجعلوه مادية بحتا، حتى لايجد جيل المسلمين نفحة القرآن والسنة ولمس عظماء المسلمين المتقدمين، ولايتربى على تربية إسلامية صحيحة، فنجح المستعمرون في مساعيهم، فنشأ تحت برنامج تعليمهم جيل لايعرف عن الدين إلااسمه ولايدري عن الإسلام الارسمه، يفكر كما يفكر الكفارويشعر كما يشعر الغرب في جميع الأمور، ينظر إلى الدنيا بمنظارهم، يركض وراء الشهوات والملذات كوحوش الغابة، همهم الاستمتاع بملذات الدنيا فحسب، إشباع الغريزة هوشغلهم الشاغل، لايخاف الله ولايرجو الآخرة، ولا يبالي بالدين ولابتعاليمه، ولايفرق بين الحلال والحرام، قد صورهم القرآن الكريم ومصيرهم بصورة مفجعة، قال الله -تعالى-: “فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا”٣ و في فترة من الفترات اضطر المستعمرون إلي الهروب من الدول المسلمة المحتلة، ولكنهم تركوا فكرتهم المادية المعادية للإسلام في التعليم وفي الاقتصاد وفي القضاء وفي نظم الحكم وفي الأمور كلها، طبعا وصل تلاميذ المستعمرين إلى عرش الحكم للدول بعد مغادرتهم إياها، لأنهم هم الذين تثقفوا بثقافتهم، وتلاميذهم اتبعوهم صما وعميانا، واتخذوا الدستور لحكم البلاد دستورا وضعيا، فانتشرالفساد والعناد والعصيان في البلاد، ينتهك الحرمات الدينية أمام الناس بدون أي إنكار، ضعفت الحماسة الدينية لدى معظم المسلمين وانكسر الوازع الديني عندهم، أصبح المعروف لديهم منكرا وأصبح المنكر معروفا، والعياذ بالله.
مظاهر المنكرات في بلادنا كثيرة – أعاذنا الله من شرورها-، هناك ظاهرة منكرة تتكرر أمامنا، ولكن لانستطيع أن نصدها أو نغيرها، لأن الحزب الحاكم العلماني في بلادنا يشجع على هذا الأمر الشنيع، وهو مشاركة المسلمين في أعياد غير المسلمين علانية، هناك شعار براق روجه العلمانيون في بلادنا، وهو “الدين لصاحبه والأعياد للجميع” والمراد من هذا الشعار تشجيع الجمهور من المسلمين وغيرهم على المشاركة في أعياد بعضهم بعضا، وكسر الحواجز الدينية، و هذا أمر خطير وقبيح جدا في نظر الإسلام، لأن فيه محاولة خبيثة لتسوية الإسلام الطاهر المنزل من السماء مع الأديان المحرفة الباطلة، يفهم العقلاء جميعا أن لايستوي الخبيث والطيب، ولايستوي الخير والشر، ولايستوي النور والظلمة ولايستوي الطاهر والنجس أبدا، والإسلام دين ليس كالأديان الأخرى، والأديان الأخرى كلها قد تعرضت لعبث العابثين وتحريف الدجالين المكارين الكاذبين، وأما الإسلام دين طاهر سليم سلمه الله – تعالى- من أي تحريف وتغيير وتبديل و نقص وزيادة عبر العصور والقرون، قال الله – جل في علاه عن القرآن الكريم الذي هو دستور الإسلام : إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون “٤ وقال- تعالى- في آية أخري : ” لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد “٥. ثم إن الإسلام ناسخ جميع الأديان السماوية من اليهودية والنصرانية فضلا عن الأديان الباطلة من البوذية والهندوكية الوثنية والمجوسية الثنوية. فكيف يستوي الثري والثريا، فالإسلام دين له ميزاته وخصائصه وله شرائعه وأحكامه، فلذا لا يسمح لمتبعه أن يتبع كل ناعق وناعر، ولا يأذن له أن يشارك في أعياد غير المسلمين، قد امر الله – سبحانه وتعالى – متبعيه أمرا قاطعا، وقال: “يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين”٦. ومن لا يدخل في الإسلام كاملا ومن لاينقاد له تماما لايقبل الله عمله ولا يبالي به، قال الله – تعالى – : ” ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهوفي الآخرة من الخاسرين “٧
أدلة حرمة المشاركة للمسلمين في الأعياد الدينية لغير المسلمين: لقد قررالعلماء تحريم الذهاب إليها للمشاركة معهم والاحتفال بأعيادهم ، ومن فعله فهو آثم، ومن ذهب معتقدا صحة دينهم مقرا بعبادتهم، راضيا بشعائرهم فهو كفر بالله مخرج عن الملة ، لأن الله- تبارك وتعالى- يقول :(١) “ولاتتبع سبيل المفسدين”٨ (٢) “ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لايعلمون “٩ (٣) ” ولاتتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل”١٠ (٤) ” تعاونوا علي البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”١١
و قال الرسول صلي الله عليه وسلم: (١) “من تشبه بقوم فهو منهم “١٢ (٢ ) “من كثر سواد قوم فهو منهم “١٣ (٣) “خالفوا المشركين”١٤ بعض آثار الصحابة في هذا الصدد :(١) قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – :”اجتنبوا أعداء الله في عيدهم”١٥ (٢) عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه – أنه قال:” من بني ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة “١٦
خلاصة القول: نقول كما قال ابن القيم – رحمه الله – :” لايجوز للمسلمين حضور أعياد المشركين من اليهود والنصاري وغيرهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، وقد صرح به الفقهاء من أتباع مذاهب الأربعة في كتبهم”١٧ وأما حسن المعاملة والمعاشرة مع غير المسلمين الذين يعيشون في مجتمع المسلمين تحت بلاد مسلمة، فهذا أمر أوجبه علينا المسلمين شرعنا الحنيف.
الكاتب: أستاذ الحديث النبوي والدراسات العليا بجامعة دار المعارف الإسلامية، شيتاغونغ، بنغلاديش
(١) سورة الرحمن :١٣ (٢) سورة الإسراء: ٩
(٣) سورة مريم : ٥٩ (٤) سورة الحجر: ٩
(٥) سورة فصلت : ٤٢ (٦ ) سورة آل عمران : ٢٠٨
(٧ ) سورة آل عمران : ٨٥ (٨ ) سورة الأعراف : ١٤٢
(٩ ) سورة الجاثية : ١٨ ( ١٠) سورة المائدة : ٧٧
(١١) سورة الما ئدة : ٢
(١٢) المسند للا مام أحمد ، رقم الحديث : ٥١١٤
(١٣) المقاصد الحسنة : رقم الحديث : ١١٧٠
( ١٤) الصحيح للإمام البخاري : ٥٨٩٢
(١٥) أحكام أهل الذ مة لابن القيم : ج /١ ، ص:٧٢٣ – ٧٢٤
(١٦) المصدر السابق (١٧) المصدر السابق