حقوق الأقلّيّات الغير المسلمة في الدولة الإسلامية
محمد فرهاد
الحمد لله الذي جعل الإسلام ديننا وأكمله لنا والصلاة والسلام على نبينا محمد –ﷺ- المبعوث إلينا وعلى أله وأصحابه أجمعين.
إن الإسلام دين كامل والخلافة فيه أمر مهم لإجراء أحكام الله تعالى في الأرض كي يكون الدين كله لله تعالى وتعلو كلمته ويصلح المجتمع ويبقى العدل بين الخلق.
قد اتضح لنا وضوح النهار أن الحكومة الإسلامية تحترم حقوق أقليات غير المسلمين مالانظير له في أي دين و نظام حيث ـ أمر الله- عزوجل ـ بالعدل بهم، وحث على البر والقسط بمن لم يقاتلوا المسلمين وانقادوا الدولة الإسلامية أوعاهدوا المسلمين وقال:﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة : 8)
وقاية دمائهم و أموالهم:
من ترك السلاح خلاف الإسلام صارت أموالهم كأموال المسلمين ودمائهم محفوظة في دارالإسلام كدماء المسلمين كما أعلن النبي-ﷺ-: لهم ذمة الله وذمة رسوله، فباعتبارهم بشَرا لهم حق الحيا ة و في ذلك قال النبي ﷺ من قتل معاهدا لم يرِح رائحة الجنة 1
وحذر النبي- عليه أفضل الصلوات- من ظلم الأقليات فقال : ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه حقا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة2
من روائع الإسلام أنه لم يعذب أحدا حتى تيقن ذنبه ولم ينفذ الحد عليه بناء على الظن كما نرى حادثة خيبر أرض اليهود لما قتل عبدالله بن سهل الأنصاري فيها وكان غالب الاحتمال أن يكون القاتل من اليهود ولكن ليست هناك بينة فسأل اليهود نفر من قومه لما انطلقوا إليها ولكنهم أنكروا وقالوا ما قتلنا وما علمنا قاتلا، فانطلقوا إلى النبي-ﷺ- فقال لها:’ تأتون بالبينة على من قتله ؟ قالوا ما لنا بينة قال: فيحلفون ؟ قالوا: لانرضى بأيمان اليهود فكره رسول الله- عليه أزكى التحيات- أن يبطل دمه. فوداه مئة من إبل الصدقة.
هنا تولى النبي بنفسه دفع الدية من أموال المسلمين ولم ينفّذ الحدّ على اليهود3
قد تكفل الشرع الإسلامي بحفظ أموالهم و دمائهم حيث حرم أخذها بغير حق كأن تسرق أو تتلف و قد جاء ذلك تطبيقا عمليا في عهد النبي إلى أهل نجران حيث قال فيه: لنجران وحاشيتها جوار الله و ذمة محمد رسول الله على أنفسهم وأموالهم و بيعهم و كل ماتحت أيديهم من قليل أو كثير.
استواء حق المعيشة: مأانصف الإسلام في المعيشة لم يحرم أحدا منها حيث أنه لم يسلم شبع الأكثريات و جوع الأقليات بل جعلهم سواء فيها، يعيش الأقليات كما يعيش الأكثريات من المسلمين لاخوف عليهم ولا خشية لهم في الدولة الإسلامية، وأجود من هذا أن الحكومة الإسلامية تكفلهم من خزانة بيت المال عند حال العجز أو الشيخوخة أو الأرملة وذلك انطلاقا من قول النبيﷺ ألا كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته4
فالأقليات من جملة الرعايا فالإمام يسأل عن رعيته أيضا يوم القيامة فاتبع عمر الفاروق سنة النبيﷺ في عهده و سجل أسماءهم في الديوان كالمسلمين، و كان يقسم بينهم أيضا من أموال بيت المال حتى قال في أرامل أهل العراق : لأدعهن حتى لايحتجن إلى أحد بعدي5
حق الحرية الدينية: إن الحكومة الربانية لم تمنع أحدا في حضانة دينه و عبادة أصنامه ولاتكره في دين الإسلام بل الأقليات أحرار في اقتناء دينه يحتفلون أعيادهم حيثما شاؤوا و لا حجر من الله في دار الفناء كما أعلنه الله تعالى:لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها‘6
وقد جاء ذلك تطبيقا عمليا في عهد النبي-ﷺ- لما بنى مجتمعا جديدا إسلاميا بيثرب، نظم علاقاته بغير المسلمين من اليهود و عقد معهم معاهدة نصحهم فيها و ترك لهم مطلق الحرية في الدين و المال لأن الإسلام دين الأمن و السلامة و السعادة و الخير للبشرية جمعاء و ينصح جميع خلق الله – عز و جل-
استقلال السلطة القضائية بين المسلمين و غيرهم: إن الدولة الإسلامية تحافظ على استقلال السلطة القضائية و لاتأذن بالاستبداد و المحاباة كما أمره الله تعالى نبيه الحبيب ’وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط‘7 وقال تعالى في آية أخرى: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا8 فلم يقض إلا بالحق و قضى للأقليات من غير المسلمين في كثير الحوادث بما عرف بالحق و خلفائه يتبعونه فيه حتى انتقم عمر- رضي الله عنه- من عبد الله بن عمرو بن العاص والي مصر حين جلد قبطيا جلدات من غير ذنب و قال : مذ كم استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا فقال عمرو: إني لم أعلم يا أمير المؤمنين ! ولم يأتني ولو أتاني لقضيت9
يذكرنا سلطان قارة الهند ’شاه جهان‘ لما شكت إليه العجوز الهنود بالاعتداء على زوجة ابنها ليلا غضب شديدا و تحسر و قال لها اذهبي أنت و أنا إن شاء الله أحفظ حرمتها وحرس بيت العجوز ثلاث ليال متواليات فلما أتى الزاني بالجبر قتله بسلاحه و قال الحمد لله فطلب الماء منها و شرب وقال : والله إني تركت الأكل و الشرب منذ سمعت منك تلك الحادثة ومازلت أحرس بيتك إلى الآن وحمدت الله لأني كنت ظننت أنه لم يكن إلا ولدي لكنه ظهر خلافه و ابني بريء من ذلك، هذا قضاء الإسلام من أن السلطان يحرس بيت الهنود ليحفظ حرمة نسائهم والقبطي انتقم من ابن السلطان بأمر الخليفة فجعل الإسلام الحفاظ على استقلال السلطة القضائية واجبا.
عدم الإكراه على المشاركة في الجهاد : ان الأقليات يتمتعون في الدولة الإسلامية بجميع ما يحتاج إليه الناس كالمسلمين رغم أنه لم يكن عليهم حفظ دار الإسلام و لايضطروا على القتال مع المسلمين بما تؤخذ منهم الجزية لأمانهم حتى لو اشتركوا باختيارهم من غير إكراه فكان لهم حق في المغانم و يتجاوزون عن الجزية بما رأى أمير المجاهدين فيه مصلحة، ما مضت حكومة إسلامية إلا وقد رفقت معهم في أخذ الخراج وجزية الأمان وفيما يؤخذ منهم الضرائب وكراء الأرض كالمسلمين. فالتجار والفلاحون وجميع أصناف المحترفين من الأقليات الذين يعيشون في دار الإسلام أكثر استراحة وسلامة مما يسكنون في دار الحرب. فلذا نرى في التاريخ ضعفاء الفارس والروم يرسلون رسالات إلى عمرـ رضي الله عنه ـ كي ينجيهم من اظلم قوادهم و ينصرون المجاهدين المسلمين في مختلف الغزوات و يفرحون بسلامتهم في دار الإسلام .
وما اتهمت أوربا أن الإسلام دين طائفي لم يراع حقوق الأقليات . إنما هو حقدا و عداوة للمسلمين حيث أرادوا محو أثار الإسلام من الأرض لأنهم أعداء الإسلام و المسلمين فيسعون خلاف الإسلام بأسلحتهم وبالكتابة والخطابة حتى صنفت سبعة آلاف كتب خلافه في الدولة الغربية فيما بين ثلاث عشرسنة وفق تقرير الصفحة البريطانية فما أصدق كتاب الله ولن ترضى عنك اليهود ولاالنصارى حتى تتبع ملتهم.(سورة البقرة / 120)
الكاتب:طالب الصف الأول من العالمية بالجامعة الإسلامية فتية، شيتاغونغ.
(1) صحيح البخاري /4/ 99 (2) أبوداود/3052 (3) صحيح البخاري 9/9رقم الحديث 6898 (4) صحيح البخاري رقم 7138 (5) كتاب الخراج/114 (6) سورة البقرة: 256 (7) سورة المائدة : 42 (8) سورة النساء: 205 (9) فتوح مصر/114