الكتاتيب القرآنية تُراث المجتمعات المسلمةِ
بقلم : فضيلة الشيخ المفكر الإسلامي الكبير محمد عبد الحليم البخاري
إن الكتاتيب القرآنية تُراث ثقافي إسلامي، ومن زينة المجتمعات المسلمة، وقد ظهرت من فجر الإسلام. إنْ ألقينا النظر إلى التاريخ الإسلامي نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المعلم الأول لأصحابه ،كان يقرئ الصحابة ويعلمهم الدين، ثم يقرئ الصحابة بعضهم بعضا،وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحثُّ دائما على طلب العلم؛ بل جعل التعليم مساويا للحرية، حيث جعل فداء بعض أسارى بدر ممَّن لا مال لهم أن يعلم واحدٌ منهم عشرة من الغلمان المسلمين الكتابة فيخلي سبيله، فكان زيد بن ثابت رضي الله عنه ممن تعلم منهم، وكانت هذه الحادثة نقطة نشوء الكتاتيب في التاريخ الإسلامي، ثم استمرت بأمر الرسول والخلفاء الراشدين من بعده، روي عن عبد الله بن سعيد بن العاص رضي الله عنه “أن النبي -عليه السلام- أمره أن يعلم الناس الكتابة بالمدينة وكان كاتبا محسنا1، ثم انتشر انتشار الإسلام في البلدان والأمصار؛لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافروا إلى البلاد لنشر الدين والدعوة يبْنون المساجد ويُنشِئون الكتاتيب فيها ، فكانت هذه الكتاتيب في العصور الإسلامية بمنزلة المدارس الابتدائية في عصرنا هذا.
ومن أهم دور الكتاتيب القرآنية هو ربط الطفل المسلم بالقرآن الكريم والدين القويم،الأطفال يتعلمون فيها الكتابة والقراءة الصحيحة للقرآن الكريم، ويتلقون تعاليم الدين الأساسية، ويتعرفون على أركان الإسلام ومعنى الإيمان، ويعرفون كيفية الوضوء والصلاة، إضاقة إلى ذلك يحفظون فيها من سور القرآن وأحاديث الرسول، وفوق ذلك هم يترعرعون فيها على الفطرة السليمة والبيئة الأخلاقية في ضوء السيرة النبوية وآثار الصحابة رضي الله عنهم.
وفي عصرنا الحاضر مع ما تنوّعت المدارس وتجدَّدت طرق التعليم ونُظُمه ما زالتْ ضرورة الكتاتيب القرآنية واهميتها؛ إذ طرق التعليم الأخرى لم تقدر على أن تربط التلاميذ بالقرآن وأن تبعث فيهم روح الدين والإيمان بقدر ما تمكَّنت الكتاتيب.بل بعض المدارس الحديثة للأطفال لاتهدف إلا كيف تخرج عن رؤوس الأطفال فكرة دينية ،وتنزع عن قلوبهم بذرة الإيمان.فتحاول دائما أن تغرس في تلاميذهم الفكرة اللادينية وتحثهم على الثقافة الغربية.
لا شك أن الأطفال الصغار زينة المرأ في الحياة الدنيا كقوله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ، وأمانة من الله تعالى،وهم ثروة الأمة وحسن مستقبلهم، فيجب على الكبار والأولياء بناء شخصيتهم بالتربية على التعليم الصالح والتهذيب على الأخلاق الحميدة والخصال الحسنة والأفكار السليمة، فلا بد من تعليم صالح؛لأن التعليم طريق التربية، والتربية من وسائل بناء الشخصية الإنسانية، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَتَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)2
فكما أن الأبوين يهوِّدان وينصِّران الأطفال كذالك البيئة والمجتمع وطريقة التعليم تهوِّد وتنصِّرهم أيضا،فينبغي للعلماء والدعاة وعلى نقباء المجتمع والقوم أن يؤكدوا من طريق التعليم الصائب الصالح لبناء الجيل الصالح القادم، وما زالت تجري هذه الكتاتيب طريقة فائقة للتعليم الصالح السالم،فيجب على الجميع أن يحاولوا لتوسعة نطاق الكتاتيب القرآنية في المجتمع ويمدُّوا في سبيل نشرها؛ حتى لايكونوا من المسؤولين يوم القيامة، حيث قال المصطفى -ﷺ- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأَةُ عَلَى بَيْتِهَا، وَالْعَبْدُ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَالْإِمَامُ رَاعٍ عَلَى النَّاسِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»3هذا .
وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين.
(1) الاستيعاب لابن عبد البر جـ3، صـ920 (2) الصحيح للإمام البخاري:1358 (3) الصحيح للإمام البخاري:2409 – 2554 والصحيح للإمام مسلم : 1829
الكاتب : رئيس الجامعة الإسلامية فتية، شيتاغونغ
وأمين عام هئية اتحاد المدارس الأهلية بنجلاديش