التمسك بالثقافة الإسلامية سبب فلاح الدارين
الأستاذ همايون كبير الخالوي
التقديم: التمسك بالثقافة الإسلامية من الأمور المهمة في هذا الزمان أي زمان الفتن، لأن اليهود والنصارى وملة الكفر يسعون لتبديل ثقافة الإسلام، وإيجاد الجاهلية الثانية فلذا بدأت حرب العلمانية ضد الإسلام على خمسة محاور تالية الأول: ضرب وحدة المسلمين بالفكر القومي والانتماءات الوطنية، والثاني: ضرب الشريعة الإسلامية في الحكم بالقوانين الطاغوتية، والثالث: ضرب الثقافة الإسلامية التي هي تراث الأمة الذي يبتني في الأصل على الوحي المحفوظ، وبه تتميز عن جميع الثقافات الأرضية، بالثقافات والفلسفات الملحدة المستورده، والرابع: ضرب البنية الاجتماعية الإسلامية بإفساد المرأة فالأسرة فتقويض معالم المجتمع الإسلامي، وذلك بغرس أخلاق المجتمعات العلمانية في النسيج الاجتماعي للأمة، والخامس: ضرب مفهوم الجهاد، وتصويره بأنه إرهاب وتطرف وعداوة للإنسانية والسلام، وأنه ضد التعايش والتفاهم بين الحضارات في الوقت الذي يستميت أعداء الأمة، لإبقاء المسلمين في حالة تخلف عسكري، ويعدون كل العدة لغصب حقوق الشعوب الإسلامية بالقوة العسكرية، فإذا تفككت الأركان الإسلامية المهمة عبر هذه المحاور، وتقوض البنيان، ابتلعت الحضارة التي ينتمي إليها العلماني المحارب، حضارة الإسلام وهيمنت عليها، وألحقت الهزيمة بالإسلام. واصطدمت الثقافة الإسلامية في شبه الجزيرة الهندية على ضعفها، بالفكر الأوربي بعد أن احتلتها بريطانيا وأحكمت قبضتها عليها، بعد فشل ثورة المسلمين الهنود في عام 1857. وقد ظهرت تيارات كثيرة تحاول الخروج بالمسلمين من هذه الأزمة، ورغم بروز عدد من المفكرين المشاهير في معظم هذه التيارات، إلا أن قلة منهم فقط تعرضت لمسألة الحاكمية مباشرة، وإن كان كثير منهم قد تناول عموميات الحكم الإسلامي والخلافة.1
الثقافة لغة: لفظ ثقافة مفرد وجمعه ثقافات (لغير المصدر):1 – مصدر ثقف، ثقف يثقف، تثقيفا، فهو مثقف، والمفعول مثقف ثقف المعوج: سواه وقومه “ثقف العود”. وثقف التلميذ: أدبه ورباه، علمه ودربه، وهذبه “ثقف الشبيبة/ ابنه- مطالعة الإنسان تثقف عقله- ثقف الأخلاق: أصلح السلوك والآداب”ولهم درجات عند الله تعالى كما قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (المجادلة، الآية: 11)
قال رائد طلال: أصل الثقافة في اللغة مأخوذ من الفعل ثقف: بضم القاف وكسرها، وله عدة معان منها: الإدراك والأخذ والظفر، قال تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ}2. الحذق والفطنة والفهم، يقال: رجل ثَقِفٌ وثَقُفٌ أي أصبح حذقا وفهما وفطنا. التهذيب والتأديب، يقال: ثقَّف المعلمُ الطالبَ، أي هذبه وعلمه وأدبه.تقويم المعوج، يقال: ثقَّفه تثقيفاً، أي سوَّاه وقومه بعد اعوجاج.3 الثقافة اصطلاحا: هي عبارة عن علوم ومعارف وفنون يدركها الفرد وقيل: هي مجموع ماتوصلت إليه أمة أو بلد في الحقول المختلفة من أدب وفكر وصناعة وعلم وفن، ونحوها؛ بهدف استنارة الذهن وتهذيب الذوق وتنمية ملكة النقد والحكم لدى الفرد أو في المجتمع وقيل: هي بيئة خلفها الإنسان بما فيها من منتجات مادية وغير مادية تنتقل من جيل إلى آخر. وقيل هي تراث أدبي وفني ومسرحي بصفة عامة، أسلوب حياة معين أو أعمال وممارسات النشاط الفكري ولاسيما النشاط الفني4.
الفرق بين الثقافة والعلم: وهناك فرق بين الثقافة والعلم، وهذا الفرق يتمثل في أن العلم عالمي بطبيعته يلتقي مع كل أمة وكل مجتمع، ولكن الثقافة خاصة بكل أمة بعينها، والعلم يرمي إلى تنمية الملكات، وهو في نهاية المطاف وسيلة وإرادة، وقد يستعمل للخير والشر على السواء، وتتشكل وجهته في بوتقة الثقافة نفسها، كذلك فإن هناك فرقا بين الثقافة والمعرفة، فالمعرفة هي المعلومات العامة المنوعة المختلفة المتعارف عليها في كل الثقافات والأوليات العامة البديهية، أما الثقافة فليست معارف فقط، ولكنها موقف واتجاه وعاطفة وأسلوب حياة، أما المعارف فهي المادة الخام للثقافة، ومكانة الثقافة من التعليم والتربية، مكانة الدرجة الأعلى، فالتعليم قاصر على الإعداد المدرسي والدراسي لتكوين العقلية المؤهلة للثقافة، أما الثقافة فهي الدرجة العليا التي تكون الفرد تكوينا ممتازا.5
الثقافة الإسلامية: اختلفت آراء العلماء المعاصرين في معنى الثقافة الإسلامية، فمنهم من قال: هي طريقة الحياة التي يعيشها المسلمون في جميع مجالات الحياة وفقا لوجهة نظر الإسلام وتصوراته، سواء في المجال المادي الذي يسمى بالمدنية أو في المجال الروحي والفكري الذي يسمى بالحضارة.6 ومنهم من قال: هي معرفة التحديات المعاصرة المتعلقة بمقومات الأمة الإسلامية ومقومات الدين الإسلامي بصورة مقنعة موجهة.7 ومنهم من قال: هي العلم الذي يبحث في المرتكزات الأساسية للفكر الإسلامي لبناء الذات ومواجهة التحديات المعاصرة.8 ومنهم من قال: هي مجموعة من المعارف والأفكار والقيم التي تنبعث عن العلوم الإسلامية الكبرى كالعقيدة والتفسير والفقه والحديث والتي تفاعلت مع البيئات الإسلامية على مر الأزمنة فتكوَّن منها تاريخ طويل.9 ومنهم من قال: هي علم دراسة التصورات الكلية والمستجدات والتحديات المتعلقة بالإسلام والمسلمين بمنهجية شمولية مترابطة10 يتبين من خلال التعريفات السابقة عدة أمور:
أولا: إن تعريف الثقافة الإسلامية الأخير هو التعريف المختار، وذلك لشموله جميع التصورات والموضوعات الدينية وغيرها القديمة والمعاصرة، والتحديات المتعلقة بها.
ثانيا: إن علم الثقافة الإسلامية علم جديد لم يعرف عند السلف، لهذا تباينت آراء العلماء المعاصرين والمفكرين في تعريفه، نتيجة لاختلاف اتجاهاتهم وتصوراتهم.
ثالثا: إن الثقافة الإسلامية علم أوجدته الأحداث والمستجدات والتحديات والدراسات المعاصرة، خاصة بعد الهجمة الشرسة التي تعرض لها العالم الإسلامي.
الفرق بين الثقافة الإسلامية وغيرها من الثقافات: تختلف الثقافة الإسلامية عن غيرها من الثقافات الأخرى غربية كانت أو شرقية من حيث الأسس والمقومات والأهداف، فالثقافة الإسلامية تستمد كيانها من الإسلام متمثلا بما في كتاب الله وسنة رسوله بينما تقوم الثقافة الغربية على استمداد مصادرها من الفكر اليوناني والقانون الروماني وتفسيرات المسيحية التي وصلتها. والثقافة الإسلامية تهدف إلى نشر العدل والأخوة الإنسانية بين كافة الأجناس والفئات البشرية، بينما الثقافة الغربية تهدف إلى استغلال الغني للفقير والعظيم للحقير واستعباد الناس بعضهم بعضا واستعمار القوي للضعيف والتسلط على خيرات البلاد واستخدامها وفق ما يحقق لهم النفع والمصلحة الخاصة ومن هنا يبدو الفرق واضحا بين الثقافة الإسلامية وغيرها من الثقافات الأخرى، كما يتجلى بوضوح خطأ القول بوحدة الثقافة العالمية، “ولو قيل وحدة المعرفة العالمية لكان ذلك مقبولا، لأن المعرفة تضم المعارف والعلوم العامة التي هي ملك للبشرية كلها. ذلك لأن الثقافات ذاتية وخاصة ومتصلة بأممها لاتنفك عنها، وهي من أجل ذلك لاتنصهر ولاتذوب في بوتقة واحدة، ولكنها تتلاقى وتتعارف ويأخذ بعضها من البعض الآخر ما يزيده قوة، ويرفض بعضها من البعض الآخر ما يضاد وجوده أو يتعارض مع الأصول الأساسية لمقومات فكره وكيانه وذاتيته”.11
أهمية الثقافة الإسلامية: الثقافة الإسلامية تبث روح التميز العام للأمة الإسلامية عن غيرها، لهذا حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع الآخرين خاصة أهل الكتاب من اليهود والنصارى كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟12 وروى عبد الرزاق: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلَيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي، وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ»13 وروى الترمذي: عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ: اعْلَمْ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ قَالَ: مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إِنَّهُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي، فَإِنَّ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا14، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلاَلَةٍ لاَ تُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِ النَّاسِ شَيْئًا. وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ15.
ميزات الثقافة الإسلامية: للثقافة الإسلامية ميزات كثيرة وهي فيما يلي:أولا: بناء العقل الواعي: فقد حرص الإسلام على إعادة ترتيب العقل الإنساني فكشف الزيف عنه وحرره من الخرافة والأوهام والأساطير والجمود، وصانه مما يؤثر فيه فحرَّم المسكرات والمخدرات التي تحجب العقل وتحول بينه وبين مواجهة الواقع ومعالجته. كما جعله الميزان الذي يزن به الإنسانُ الأمورَ ويتثبت من كل أمر قبل الاعتقاد به. ثانيا: غرس العقيدة الصحيحة: فتوحيد الله تعالى بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله هو الغاية العظمى التي لأجلها خلق الله الخلق، وهو الفارق بين الموحدين والمشركين وعنه يسأل الناس يوم القيامة، وعليه يقع الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}16ثالثا: بناء الشخصية الإسلامية: فقد حرصت الثقافة الإسلامية على بناء الشخصية الإسلامية من جميع الجوانب النفسية والروحية والعقلية والجسدية بما يتناسب مع طبيعتها رابعا: الربانية: الثقافة الربانية هي المنسوبة إلى الرب سبحانه وتعالى، بمعنى أن مصدرها الرئيسي هو الشريعة الإسلامية المتمثلة في الكتاب والسنة، وكلاهما من عند الله عز وجل وذلك لأن الكتاب هو كلام الله تعالى والسنة وحي من الله لرسوله. قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}17. ولهذا فإن الثقافة الإسلامية تختلف عن غيرها من الثقافات الأخرى التي قامت على أسس علمانية وضعية، وتجاهلت الجانب الديني والعقدي والأخلاقي في بنائها الثقافي وفق تصوراتهم القاصرة المحدودة. خامسا: العالمية: إن من أبرز خصائص الثقافة الإسلامية أنها تدعو إلى وحدة الإنسانية التي تذوب فيها الفوارق القومية والعرقية وتتلاشى فيها الفواصل، فلا تفاضل بينهم إلا بالهدى والتقى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}18. ولهذا ذم النبي صلى الله عليه وسلم التفاخر من تفاخر بالأحساب والأنساب ودعا إلى العصبية. وأكبر دليل واقعي على عالميتها أن الذين ساهموا في نشرها والعمل بها كانوا من المسلمين على اختلاف بلدانهم وأقطارهم ولغاتهم، وهي عالمية لأنها تلائم فطرة الإنسان دون تشتيت. سادسا: الشمولية: وذلك لأنها شاملة لجميع جوانب الحياة، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}.19 واستطاعت أن توفق بين روح الإنسان وجسده وبين فرديته وجماعته وبين دنياه وآخرته، فلا تنشطر سريرته وحياته أشطاراً مختلفة كما هو الحال في الثقافات الأخرى وأساس الشمول والكمال هو الإسلام بمناهجه المتعددة في العقيدة والشريعة ونظم الحياة. سابعا: الوسطية: وذلك في تجسيدها للعقيدة والشريعة، وفي نظرتها للفرد والمجتمع، وفي فهمها للواقع ومتطلباته، فلا إفراط ولاتفريط. وذلك لأن الثقافة الإسلامية ربانية موحى بها من الله تعالى وهو اللطيف الخبير بما يصلح ويناسب عباده، قال تعالى: {أَلَايَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}20. ولأن مصدرها القرآن الكريم الذي يهدي لأقوم الطرق وأوضح السبل، قال تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}21. فسمة الإسلام الأساسية هي التوازن والاعتدال في كل نواحي الحياة، الاعتدال بين حقوق الجسد وأشواق الروح، وبين مطالب الدين والدنيا. ثامنا: الواقعية: وذلك تتعامل مع الحقائق الموضوعية ذات الوجود الحقيقي الثابت، لامع تصورات عقلية مجردة ولامثاليات لاوجود لها في عالم الواقع. ولهذا نجد الواقعية في التشريع الإسلامي، فقد راعى الإسلام ظروف الناس وحياتهم واحتياجاتهم المعيشية، ورفع عنهم المشقة والحرج، بل جعل المشقة تجلب التيسير، كما راعى فطرتهم وطاقتهم فلم يكلفهم من العمل مالايطيقون، لأن شرط التكليف القدرة على فعل المكلف به، فما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعا. ونجد الواقعية أيضا في الأخلاق والعقيدة. تاسعا: الاستمرارية: فهي ثابتة ومستمرة لأنها تقوم على العقيدة، والعقيدة ثابتة لاتتغير ولاتتبدل ولاتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، ومع هذا فهي مرنة لاتقف جامدة أمام الحوادث والمستجدات بل تتعامل مع القضايا الطارئة في كل عصر. فلذا فإنها تبعث الطمأنينة في حياة الفرد والمجتمع، بأنه لايعايش ثقافة تتأرجح وتتغير حسب الأهواء والأجواء والمصالح. فقد ختم الله تعالى بالإسلام الشرائع والرسالات السماوية كلها، وأودع فيه عنصر الثبات والخلود والمرونة والتطور معاً، وهذا دليل على صلاح هذه الثقافة لكل زمان ومكان22. عاشرا: الثبات: ومعنى الثبات هنا، ثبات المصدر الأول للثقافة الإسلامية، وأن كل مايتعلق بالحقيقة الإلهية ثابت الحقيقة وثابت المفهوم وغير قابل للتغيير، وذلك لأن القاعدة الأولى التي تقوم عليها الثقافة الإسلامية هي الإيمان بوحدانية الله وبوجوده وبقدرته وهيمنته. وكل صفاته الفاعلة في الكون والحياة والناس. فهذه العقيدة أو هذه القاعدة ثابتة لاتتغير ولاتقبل التغيير، وما يتفرع عن هذه القاعدة من أن العبودية لله وحده واجبة على الناس جميعا بما فيهم الرسل، وأنه ليس لهم أية خاصة من خصائص الألوهية، حقيقة ثابتة أيضا لاتتغير ولاتتبدل ولاتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة. وأن الإيمان بالملائكة والكتب المنزلة والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله.23 الحادي عشر: خاصية التوازن: تتسم الثقافة الإسلامية بسمة “التوازن” ذلك لأنها تقوم على أسس عقدية متوازنة، وعلى مناهج متوازنة لاإفراط فيها ولاتفريط، ولامغالاة ولا تقصير.24
مصادر الثقافة الإسلامية: للثقافة الإسلامية مصادر شتى وهي: أولا: القرآن الكريم: فالقرآن الكريم هو المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي والثقافة الإسلامية، فقد صاغ حياة الناس في المجتمع المسلم بأحكامه التشريعية التي تناولت شؤون الحياة كلها، قال تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}25
ثانيا: السنة النبوية: فالسنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي والثقافة الإسلامية، وهي أيضا الشارحة للمصدر الأول وهو القرآن الكريم، والمؤكدة لأحكام وردت فيه، والمقررة لكثير من الأحكام التي سكت عنها، والناسخة لبعض ما ورد فيه من الأحكام، والمبينة لما أُجمل فيه، وهي دليل شرعي وجب على المسلمين اتباعه والعمل به، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}26.
ثالثا: الإجماع: وهو اتفاق مجتهدي الأمة الإسلامية في عصر من العصور على حكم حادثة شرعية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. والإجماع إذا انعقد في مسألة كان دليلاً شرعيا قطعيا ملزما لا تجوز مخالفته أو نقضه، قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}27. فالله تعالى جمع بين مشاقة الرسول واتباع غيرسبيل المؤمنين في الوعيد، فلو كان اتباع غيرسبيل المؤمنين مباحا لما جمع بينه وبين المحظور.
رابعا: القياس: وهو إلحاق واقعة لا نص فيها بواقعة ورد فيها نص لاشتراك الواقعتين في علة الحكم. فالقياس مصدر من مصادر الأحكام في الشريعة الإسلامية وبه قوامها وصلاحيتها في كل عصر ومصر، وذلك لأنه لا يمكن النص على كل حادثة بعينها فإن الحوادث غير متناهية والنصوص متناهية.
خامسا: تراث الحضارة الإسلامية وهو ماوصل إلينا عن سلف الأمة الصالح من إجماع وقياس واجتهاد في الفقه والحديث والتفسير والعقيدة، وما جاء عن اللغويين والنحاة وأهل البلاغة والبيان، وما جمعه المؤرخون من سير وأخبار وما خلفه المسلمون من حضارة وعلوم ومعارف وفنون. فالناظر والمتأمل إلى تاريخ المسلمين الأوائل يجد أنهم قدموا للعالم حضارة من أرقى الحضارات.28
نظير الثقافة الإسلامية: في الأصل جميع المأمورات والمنهيات من أمور الثقافة الإسلامية ونظائرها كثيرة وأهمها فيما يلي:
- تعظيم العلماء: تعتبر العلماء في الثقافة الإسلامية ورثة الأنبياء، فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم “إن العلماء ورثة الأنبياء، لم يورثوا دينارا ولادرهما، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر”،29 لهذا يعد عمل العلماء الرساليين امتدادا لعمل الأنبياء، ينسجون على نسقهم في اجتثاث أممهم من دركات فساد الاعتقاد والأخلاق والقوانين وسائر الأحوال. 2. تصحيح العقائد حول الله تعالى ورسوله وكتابه واليوم الآخر.
- العمل بالمأمورات والتجنب عن المنهيات. 4. تعلم اللغة العربية لأنها لغة القرآن وأهل القبر وأهل الجنة. 5. تدريب المسرحية خالية عن الفواحش واللمم. 6. إهتمام يومي العيد ويوم عاشوراء ويوم الجمعة وليلة البراءة والمعراج وليلة القدر وغير ذلك.7. النكاح بأيسر المهر والوليمة والتجنب عن الدوطة.8. تدريب آلات الجهاد ولعب الفرس وملاعبة الرجل أهله.9. أخذ لباس التقوى والحجاب والعمامة والقلنسوة.10.كثرة السلام عند اللقاء والمعانقة والمصافحة وغير ذلك فكل ما علمنا رسول الله صـ في العقائد والعبادات والمعاملات والمعاشرة والأخلاق فهي الثقافة الإسلامية.
الختام: الثقافة الإسلامية هى المعرفة بالكتاب والسّنّة وما استمدّ منهما ووضع من أجل فهمهما.
فلابد من أن يتعلم المسلم معرفة هذا قبل العمل وبالثقافة الإسلامية يكون المسلم ناجحا في الدنيا والآخرة.
الكاتب: الأستاذ المساعد لقسم اللغة العربية وعلومها بجامعة شيتاغونغ.
(1) شعت،المرجع السابق، ص8.
(2) الدكتورة نادية شريف العمري، . د. أحمد مختار عبد الحميد عمر (المتوفى: 1424هـ)،
معجم اللغة العربية المعاصرة، (بيروت: عالم الكتب، 1429هـ – 2008م)، ج1، ص318.
(3) القرآن الكريم، النساء، الآية: 91.
(4) أ. رائد طلال شعت، الثقافة الإسلامية في مواجهة الغزو الثقافي، (د.ت)، ص4.
(5) د. أحمد مختار عبد الحميد عمر (المتوفى: 1424هـ)، المرجع السابق، ج1، ص319.
(6) الدكتورة نادية شريف العمري، أضواء على الثقافة الاسلامية، (الناشر: مؤسسة الرسالة، 1422هـ – 2001م)، ص16.
(7) د. صالح ذياب هندي، دراسات في الثقافة الإسلامية، (الأردن: جمعية عمال المطابع التعاونية، 1404/1984م)، ص15.
(8) د. رجب شهوان، دراسات في الثقافة الإسلامية، (الكويت: مكتبة الفلاح، ط الخامسة)، ص11.
(9) د. أحمد العيادي، المرتكزات الأساسية في الثقافة الإسلامية، (العين: دار الكتاب الجامعي، 1424/2004)، ص20.
(10) د. محمد أبو يحيى، الثقافة الإسلامية ثقافة المسلم وتحديات العصر، (الأردن: دار المناهج، ط السادسة 1426/2006)، ص21.
(11) د. باسمة بسام العسلي، الشخصية الإسلامية المعاصرة، (بيروت: دار الفكر)، ص274.
(12) الدكتورة نادية شريف العمري، المرجع السابق، ص18.
(13) البخاري، رقم الحديث: 3456.
(14) عبد الرزاق، رقم الحديث: 10378
(15) الترمذي، رقم الحديث: 2677.
(16) القرآن الكريم، الحشر، الآية: 7.
(17) القرآن الكريم، النحل، الآية: 36.
(18) القرآن الكريم، النجم، الآية: 3-4
(19) القرآن الكريم، الحجرات، الآية: 13
(20) القرآن الكريم، النحل، الآية: 89
(21) القرآن الكريم، الملك، الآية: 14
(22) القرآن الكريم، الإسراء، الآية: 9
(23) رائد طلال ص22
(24) الدكتورة نادية شريف العمري، ص31
(25) القرآن الكريم، الأنعام، الآية: 38.
(26) القرآن الكريم، الحشر، الآية: 7.
(27) القرآن الكريم، النساء، الآية: 115.
(28) ) رائد طلال شعت المرجع السابق، ص14.
(29) الترمذي، رقم الحديث: 2682