استثمار الأوقات هو الطريق إلى النجاح
المفتي محمد تقى العثمانى
بعد الخطبة المسنونة قال الشيخ رحـ: الحمد لله على أن تمكن لي اليوم من الجلوس معكم بعد فترة طويلة، و إني أريد أن أنصح لإخوتي الطلبة الأعزة كل أسبوع، لكن الأمراض و الغموم و الهموم و المشاغل المتنوعة تشغلني على التوالي، فلم أتمكن من الحضور منذ ثلاثة أسابيع، قيل، فأجود ما قيل: “لكل شيء آفة وللعلم آفات” سمعت هذه المقولة في طفوليتي و لم أدرك حقيقتها حينئذ و لكن الآن أشاهدها بعيني، توجد آفات في جميع الأعمال والأفعال ولكن في طريق العلم والمعرفة توجد آفات كثيرة وعقبات شتى، وأقضي أيامي الراهنة خلال تلك الآفات والعقبات وليست في القلب طمانينة و الهموم تزدحم واحدة فواحدة .
قيمة الوقت: إخواني الطلبة الأعزة! إني أريد أن أزودكم بالقول الذي أنصحكم به دائما: “هو تقدير الوقت و أهميته، فإن الوقت نعمة عظيمة من الله ـ تعالى ـ ” فإن ضيعت هذه النعمة مرة فلن تعود أبدا، و إن الوقت ينفد و يمضي, و مثلك به كمثل الثلاج، ما زالت تنفد حياتك دائما كما ينفد رأس مال الثلاج دائما. قال أحد من الأفاضل: ذهبت إلى حانوت الثلج وأدركت هناك حقيقة سورة العصر حيث قال الله ـ تعالى ـ :﴿ والعصر، إن الإنسان لفي خسر﴾ وذاك فإن رأس مال الثلاج ينفد كل الوقت سواء يشتري أحد أم لا. فينتفع بما باع، ويخسر مما ذاب قبل البيع وكذا حياة الإنسان تضيق و تنقص في كل برهة و تمضي لحظاتها في كل آن و ما مضت منها مرة فلن تعود قط، فينتفع الرجل بما أشغل من الأوقات وخسر فيما مضى عبثا.
يقول لك عقرب الساعة داعيا: إن كل ثانية الساعة تنقص من حياتك شيئا فشيئا ودق الجرس بعد الساعة معناه نقصت ستين دقيقا من حياتك القيمة، أفلا تتنبه يا صديقي !
الإنسان والتجارة : ما أقول الآن ليس من خيالات الشاعر بل هو خلاصة الأحاديث ومغزاها حيث ورد في الحديث “كل الناس يغدو، فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها”
كل إنسان يخرج تاجرا من بيته صباحا، ولايخرج إلا للتجارة لكن أي تجارة؟ تجارة الثوب؟ لا، تجارة الطعام؟ لا، فهل تجارة الحدائد والتجهيزات المعدنية؟ لا، بل هي تجارة حياة نفسه، و تجارة قوته و ذكاوته ووقته ومحنته، وأنكم استعملتم أنفسكم في التجارة، فما هذه التجارة؟ والتاجر إن كان متيقظا، فهو يخلص نفسه من العقوبة الآجلة، عندما يخرج الإنسان من بيته بعزم مصمم لأكون اليوم تاجرا ناجحا وآتي بثمنه، والربح الحقيقي هو ربح الآخرة، إن خلص نفسه من عقوبة الآجلة فهو ناجح وإلا ففاشل وخاسر، ولفظ الحديث ( فمعتقها أو موبقها ) إذا خرج الإنسان بالغداة خرج ببضائع التجارة، لاببضاعة حياته، وهذه الحياة تضيق في كل دقيقة وفي كل ثانية، والله أوهبكم الشبابة و الصحة و عافى جميع أجسادكم من اليد و الرجل و العين و الأذن و الأنف و غيرها، و إن تنبهوا لذلك فتدبروا في الحالة الراهنة لبرهة.
اغتنم شبابك : الآن أقول لكم ما في ضميري وصلة قلبي إنما هي معكم وما أنتم إلا مزرعتي وقريبي وجميع تمنيات حياتي إنما هي بكم، أرجو أن أجالسكم كل يوم و أزوركم و أسمع كلام فؤادكم و أقدم لكم ما في ضميري ولكني عاجز، وكاد يتم أجلي و فرص حياتي قد خسرت، ولا أستطيع الآن المشي كما كان، حينا تسنح لي فرصة التكلم وحينا تغدرني، والآن صرت معذورا، وما أنصح لكم من صميم فؤادي إلا هذا”من نه كردم شما حذر بكنيم” أي لم أستطع أن أفعل شيئا فحاولوا أنتم واستخدموا أوقاتكم الفارغة، إن لم تغتنموا فيصيبكم مثل ما أصابني ، فاغتنموا أوقاتكم .
ومن البين أن الشباب هو ربيع الحياة والله قد أمنحنا هذه الحياة، ففلاح الحياة و فشلها يعتمد على استخدامك الوقت واغتنامه فاستخدموا أوقاتكم في تحسين مستقبلكم وتقييم حياتكم.
ما هذا إلا وقتا مناسبا لتكون جيدا :
كثير من أبنائنا الطلبة غارقون في نوم الغفلة وهم يزعمون أنهم طالبون حتى الآن والحياة التعليمية هي حياة مستقلة، هم يرون أننا نفعل كل شيء حين ندخل في الحياة التعليمية، لكن الحقيقة أن من لايتزين حياته هنا لايمكنه في أي مكان، إلا أنه لامحالة في قدرة الله ـ عزوجل ـ أن يجعله عالما خبيرا و وليا كاملا رغم ذلك، لاننكر ذلك، لكن سنة الله أن الحياة التعليمية لا تأتي لواحد إلا مرة واحدة فيصير عالما أو جاهلا وزمن التعليم أجدر بأن تكون فيه عالما محققا و متدينا .
و ما تروني مما أعمل حسب استطاعتي، فكل ذلك ببركة الجهد في الحياة التعليمية . وشكرا لله -تعالى- أني ما ضيعت الوقت قط في زمن التعليم، والحمد لله أني صرفت جل أوقاتي لتحصيل العلوم، وما خطر ببالي أن أشتغل بكسب الدنيا، وما كانت لي صداقة أو عداوة مع أحد ، ولا أحضر في المجالس والمحافل، وما كان شأني إلا مطالعة الكتب وممارستها.
و الحمد لله، أتمتع بنتائج تلك الجهود المستمرة إلى الآن، و المهارات التي حصلت لي في الحياة الدراسية وإنما هي زادت بالمطالعة وممارسة الكتب، والآن هي زادي ، فلا أحتاج إلى توفير مطالعة الكتب في الحياة التدريسية نعم، إلا كثرت المطالعة العامة. فيا أخي! إني كنت أريد أن أقول إن هذا الزمان زمان وافر للقراءة والكتابة، إن لم تهتموا بهذا الوقت في العمل، فلكم من الندامة في سائر مجالات الحياة، ولاتكون أيّ فائدة بعد ذلك، و الوقت الذي مضى لايمكن تعوده بحال في هذا العالم.
التعريب :محمد تقي العثماني طالب الصف الأول من المرحلة العالمية بالجامعة الإسلامية فتية.
تعريف عن حقيقة الإسلام و نواقض الإيمان
أعظم علي
الإسلام لغة: هو الاستسلام و الإذعان و في اصطلاح الشرع : هو أن يشهد ألا إله إلا الله و أن محمدا رسول اللهﷺ (على ما جاء في حديث جبرئيل ) و يرادفه معنى الإيمان بفرق يسير على ما نص عليه البعض. فخلاصة الإيمان والإسلام هو التوحيد
وذاك على نوعين : (1) توحيد المرسِل(هو الله تعالى) ومعناه إثبات الإلهية والربوبية لله وحده مع جميع صفاته، نفيا عن كل ما سواه بصدق قلبه و تيقنه بذلك ومع استسلام جميع ما أوجبه على العباد كما قال ـ تعالى ـ : ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾1 و في آية أخرى: ﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾2 فلن يوجد الإيمان بدون إخلاص العبودية له .
(2) توحيد المرسَل : ومعناه أن يشهد بأن محمدا عبده ورسوله مع التصديق بجميع ماجاء به من الأحكام الإسلامية تصديقا تابعا للجزم المتمثل بقبول النفس ورضاها بما جزمت به و تعظيم أمره و نهيه و لزوم سمته و التزام اتباعه في جميع الأمور أي أمر كان ، دنيويا أو أخرويا وسواء كان متعلقا بالشخص أو بالمجتمع كما صرح به إمام عصره العلامة الكشميري3
وقال ابن أبي العز : فهما توحيدان لانجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما والإسلام لايوجد بدونهما وكذا بأحدهما فقط. كما قال :﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾4
فمن خالفهما أو خالف أحدهما فهو كافر و خارج عن الإسلام و إن يقولوا بأفواههم ’لا إله إلا الله ‘ فإن النبي ﷺ صرح بقوله: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و يقيموا الصلاة و يوتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحق الإسلام و حسابهم على الله5 وقال العلماء المحدثون: معنى’’حق الإسلام ,,هو المخالفة لأحدهما فكل من أظهر التوحيد وجب الكف عنه إلى أن يتبين مايخالف ذلك فإذا تبين لم تنفعه هذه الكلمة بمجردها و لذا لا تنفع هذه الكلمة اليهود ولا الخوارج حتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم حيث قال : لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد. و ذلك لما خالفوا بعض الشريعة وكانوا شرالقتلى تحت أديم السماء كما يتضح بالحديث النبوي ولذلك نكفر القاديانيين في العصر الراهن.
و ذكر العلماء في حكم المرتد أن المسلم قد يرتد عن دينه و يخرج من حظيرة الإيمان إلى الكفر بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه و ماله و يكون بها خارجا عن الإسلام. وإن هل الحق لايكفرون مسلما- أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاها وأدى الفرائض- برأي أو معصية إلا من أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوما من الدين ضرورة أوكذب صريح القرآن أو فسره على وجه لايحتمله أساليب اللغة العربية بحال أو عمل عملا لايحتمل تأويلا غير الكفر. وهنا يذكربعض الأمور التي تنقض الإيمان :
1) الشرك بالله – تعالى ـ كما قال الله ـ عز و جل ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾6 ، و قال ـ تعالى ـ أيضا ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾7
2) من جعل بينه وبين الله و سائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم .
3) تكفير المؤمنين وعدم تكفيرالكافرين أوالشك في كفرهم أواستحسان ماهم عليه من الكفر أوالتشبه بهم في أمور يختصمون بها أو تصحيح مذهبهم.
4) من اعتقد أن هدي غير محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكمل من هديه وأن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون الطواغيت على حكمه فهو كافر. و يدخل فيه من اعتقد أن الأنظمة و القوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقة في القرن الحادي والعشرين أو أنه كان سببا في تخلف المسلمين عن ذلك أو أن يحصر المرأ في علاقة المرء بربه دون أن يتدخل في شؤون الحياة الأخروية و يدخل فيه أيضا من يرى أن إنفاذ حكم الله في قطع يد السارق أو رجم الزاني المحصن لايناسب في العصر الحاضر و كذا كل من يعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملات أو الحدود أو غيرهما و إن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة، وكذا من استباح ما حرم الله مما هو معلوم قطعيا، فيكون كافرا بإجماع المسلمين كما قال الله – العزيز- ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾.8
5) الاستهزاء بشيء من كتاب الله – تعالى- أو سنة رسوله أو بأهلهما من أجلهما أوالاستهزاء بشعارمن شعائر الإسلام . كما قال الله ـ عزوجل ـ : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)
6) تحليل ما حرم الله ـ تعالى ـ أو استحلاله أو تحريم ما أحل الله ـ تعالى ـ
7) من أبغض شيئا مما جاء به الرسول- صلى الله عليه وسلم ـ ولو عمل به فقد كفر .
8) السحرومنه الصرف ( وهوعمل سحري يقصد منه تغيير الإنسان عما يهويه كصرف الرجل عن محبة زوجه إلى بغضها) والعطف ( وهو عمل يقصد منه ترغيب الإنسان فيما لا يهواه بطرق شيطانية لقوله تعالى ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾9 فمن ارتكب بذلك فقد كفر على ضوء هذه الأية .
9) الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولايعمل به حتى قال الله العزيز : و من أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها ، إنا من المجرمين منتقمون .
10) عدم اعتراف الإنسان بأن كل نعمة هو فيها ، ظاهرة و باطنة ، حسية و معنوية ، هي من فضل الله ـ تعالى .
11) إنكار عموم رسالته ـﷺ ـ إلى البشر كافة .
12) اشمئزاز القلب من توحيد الله ـ تعالى ـ .
13) الادعاء بأن القرآن بين باطنه و ظاهره مخالفة، و أن هذا الباطن لا يعلمه إلا أناس مخصوصون.
14) عدم الإيمان بشيء من نصوص الكتاب، و عدم الإيمان بأصل السنة و بما ثبت منها بشكل قطعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
15)مظاهرة المشركين و معاونتهم على المسلمين و عدم محبة أهل التوحيد.كما قال الله ـ تعالى ـ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾10
16 )عدم معرفة الله معرفة صحيحة، بإنكار شيء من صفاته أو أسمائه أو أفعاله، و عدم معرفة رسول الله أو سلبه صفة مما وصفه الله بها ، أو وصفه بصفة محقرة أو منقصة و عدم اعتقاد كونه اللأسوة العليا للإنسان. أخيرا نعوذ بالله من موجبات غضبه و ألم عقابه و نصلي على خير خلقه محمد و على أله صحبه و سلم.
الكاتب: طالب الصف الأول من العالمية بالجامعة الإسلامية فتية، شيتاغونغ
(1) سورة بني إسرائيل /23 (2) سورة المؤمن: 14 (3) جوهرة التوحيد/ 138 (4) سورة الأحزاب/ 36 (5) مشكاة/12 (6) سورة النساء :48 (7) سورة المائدة : 72 (8) سورة المائدة/44 (9) سورة البقرة/102 (10) سورة المائدة/51