وجه المرأة : الكشف سفور والحجاب عفة
الأستاذ زكريا الأزهري
في الآونة الأخيرة قد ظهر فينا أناس يناشدون الناس بنعرات إلى أن حكم الحجاب لابد في الإسلام لكن الوجه غير داخل فيه، رغم أن الوجه مستقر المحاسن والفتنة والسحر والجمال والحسن والزينة، والشريعة لاتبيح كشف الوجه وإظهاره، خصوصا في فتنة الزمان والزلة هذه ، ولايجوز للمرأة سفور وجهها إلا بضرورة العلاج أو الشهادة وما إلى ذلك من ضرورات لامفر فيها من كشف الوجه؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات، فعلينا أن نعلم حكمه بما له وما عليه بوضوح وظهور ،
أيها القراء الأحباء!
الآن نقدم بين أيديكم أدلة في ضوء الكتاب والسنة النبوية والاعتبار الصحيح والقياس المطرد، ترشدنا إلى وجوب حجاب الوجه وحظر كشفه.
الأدلة القرآنية في وجوب حجاب الوجه:
الأول: قال الله تعالى: (قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولايبدين زينتهن إلاماظهر منها…) [سورة النور31]. هذه الآية تدل على وجوب حجاب الوجه بوجوه، منها :إن الله جل وعلا أمر النساء بحفظ نفوسهن عن مخالطة الرجال والزنا وعن أسباب تفضي إليهما، ولايرتاب عاقل أن كشف الوجه في معظم الأحيان يقوم بدور أساسي في إيقاعها فيها حيث ينظر إلى وجهها فيفتن بجماله وزينته التي لاتكون في عضو آخر غيره ،فيراه رؤية الأنس والشهوة، ويتلذذ بها ويتمتع، فذلك يوصله إلى الاتصالات بها على أي وجه كان ويقعان في أمر محظور، فكشف الوجه من ما نهى الله تعالى عنه؛ لأن للوسائل حكم المقصود.
ومنها: أن الله جل وعلا قال: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) هنا الخمر جمع خمار وهو كل ما ستر، فمنه خمارالمرأة، والمعنى يغشين بها وجوههن فيسدلنها من فوق الرأس على الوجه، وهذا المعنى ما فهمته الصحابيات، كما قالت عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ يرحم الله نساء المهاجرات الأول ـ لما أنزل الله – تعالى ـ (وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) شققن مروطهن فاختمرن بها (صحيح البخاري رقم الحديث :4572 ) وعن صفية بنت شيبة أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت تقول : لما أنزل الله هذه الآية (وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فا ختمرن بها (صحيح البخاري رقم الحديث 4573 )
قال العلامة ابن الحجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ تشريحا لقوله”فاختمرن”:أي غطين وجوههن [فتح الباري ج8 ص573 دار الحديث القاهرة ] فاتضح لدينا وجوب حجاب الوجه حسب مفهومات الصحابيات. ـ رضي الله عنهن ـ
والثاني :قال الله – سبحانه وتعالى- في الفرقان الحميد :(يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) [سورة الأحزاب 59] أمر الله- تعالى- جميع المؤمنات بإدناء الجلابيب، والجلابيب جمع جلباب وهو ثوب مشتمل على الجلد كله ، قال العلامة ابن المنظور صاحب لسان العرب: هو ثوب أوسع من الخمار دون الرداء تغطي به المرأة رأسها وصدرها ، وإن ألقينا النظر إلى أقوال المفسرين فنجد أنه ساتر لكل الوجه والبدن، فقال العلامة محمد الآلوسي ـ رح ـ الجلباب هو ما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ الذي يستر من فوق إلى أسفل [تفسير روح المعاني ج22 ص354 دارالحديث القاهرة ] أي الجلباب هو الذي يستر جميع البدن من قمة الرأس إلى أخمص القدمين فيدخل فيه الوجه ، وقال الإمام القرطبي ـ رح ـ هو ثوب أكبر من الخمار، وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء ، وقد قيل :إنه القناع والصحيح أنه الذي يستر جميع البدن [الجامع لأحكام القرآن للقرطبي الجزء 14 : 243 دارالكتب العلمية] فما سبق من أقوال المفسرين كما يؤكد معنى إدناء الجلابيب بستر الوجه سترا تاما كذا يعضده صورة إرخائه المروية عن أصحاب الرسول ـ ﷺ ـ فقال الإمام القرطبي ـ رح ـ معبرا عن صورة إرخائه: واختلف الناس في صورة إرخائه، فقال ابن عباس وعبيدة السلماني: ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها [الجامع لأحكام القرآن، الجزء 14: 253] فينكشف لنا أن الله – تعالى- أمر جميع المؤمنات بستر كل البدن فكيف تكشف المرأة وجهها وهو مستقر المحاسن والجمال و آلة جذب أنظار الرجال الشهوية.
الأدلة من السنة النبوية:
فالأول:عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ محرمات ، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه ، [رواه أبوداود ـ رقم الحديث: 1733] ففي قولها :”فإذا حاذوا بنا” تعني الركبان “سدلت إحدانا جلبابها على وجهها “دليل وجوب ستر الوجه بأن الصحابيات ـ رض ـ كيفما كانوا يحافظن على الحجاب وستر الوجه !؟حتى في حالة الإحرم يسدلن الجلباب على أوجههن وقد ورد المنع في تلك الحالة على ستر الوجه ، فكيف يكن في الأحوال العامة ؟
الثاني: عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله – ﷺ ـ من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة ـ رضي الله عنه ـ فكيف تصنع النساء بذيولهن، قال: يرخين شبرا، فقالت: إذن تنكشف أقدامهن، قال فيرخينه ذراعا ولا يزدن عليه [رواه الترمذي ـ رقم ـ 1731 في كتاب اللباس] ففي هذا الحديث دليل وجوب ستر القدم للمرأة وهو أمر عند الصحابيات ـ رض ـ والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين بلاشبهة وشوباء، فالتنبيه بالأدنى تنبيه بما هو فوقه وما هو أولى منه بالحكم، وإلا لزم إباءة الحكمة الشرعية.
الثالث : ما ثبت في الصحيحين عن عاشةـ رضي الله عنها ـ قالت: كان رسول الله ـ ﷺ ـ يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرف أحد من الغلس ، وقالت: لو رأي رسول الله ـ ﷺ ـ من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد، كما منعت بنو إسرائيل نسائها، وقد روي نحو هذا عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فهذا الحديث يهدينا إلى أن الستر والحجاب كانا من عادات الصحابيات ـ رض ـ وأم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ وعبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ ناهيك بهما علما وفقها وبصيرة ، أخيرا أن الرسول ـ ﷺ ـ لو رأى من النساء ما رأيناه لمنعهن من المساجد، وهذا في القرون المفضلة الأولى، فكيف بزماننا ؟
وجوب حجاب الوجه على ضوء الاعتبار الصحيح:
الاعتبار الصحيح والعقل السليم الذي جاءت به هذه الشريعة الكاملة وهو إقرار المصالح ووسائلها والتحريض عليها وإنكار المفاسد ووسائلها والزجرعليها، وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للأجانب، وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة ، وإن افترض أن فيه مصلحة لكنها يسيرة تستتر وراءها مفاسد كثيرة وأخطارغزيرة.
المرأة المحتجبة أرقى نموذج للمرأة الفاضلة والحرة الشريفة، وبها يصير المجتمع متينا متماسكا والتركيب الاجتماعي راسخ البنيان، وكل من الأطفال والشبان والرجال ينشأون في بيئة طاهرة، فإذا ظهروا في الوجود تلقتهم أيادي البر والحنان واللطف والتربية الحسنة فينشأون كاملين طاهرين، وفي صعيد أخر السافرة معنى شيوع الفساد في بيئات الرجال الطاهرة ويزلزل قيام المجتمع على أساس الإحصان والعفة والكرم، وفي الحجاب إغلاق كل أبوب الفتنة وحماية المرأة وصيانة الأسرة حراسة المجتمع والحجاب الكامل لايمكن بدون حجاب الوجه، والحجاب الغير الشامل الوجه تتبعه أمور مفسدة وتحويه وتغشيه قوائم الأسباب الكارثة تترا، وخروج المرأة سافرة الوجه واشتراكها مع الرجال مثير للفتنة ومفسر للفساد، وإبداء المرأة زينتها ومحاسن ملابسها مضطرب لموازين القيم والأخلاق، وإخفاؤها إياها تنزه المجتمع والرجال وإحصان نفسها وأسرتها، ولا سيما فيه إحصان كرامة القوم والملة، ولا خلاف في أن المرأة يجب عليها حجاب الوجه إن خافت فتنة، وأما إن لم تخف الفتنة فذهب بعض العلماء إلى أنها أبيح لها السفور، وهم من المتقدمين الحنفيين ولكن قد أجمع المتأخرون على أنه يجب الحجاب عليها سواء كانت لها مخافة الفتنة أولا، كما صرح به العلامة الرمالي ـ رح ـ في شرح المنهاج النووي ـ وعلى هذا الأساس أفتى الإمام ابن تيمية ـ رح ـ وكشف النساء وجوههن بحيث يراهن الأجانب غير جائز، وعلى ولي الأمر بالمعروف والنهي عن هذا المنكر وغيره ومن لم يرتدع فإنه يعاقب على ذلك بما لم يزجره [مجموع الفتاوي جـ 14 صـ 382 المكتب العلمي السعودي]
والعصارة أن في الحياة نظامين : نظام الحجاب بكل حقوقه ونظام السفور بكل توابعه ولواحقه ، ففي نظام الحجاب ـ وهونظام الإسلام ـ تجد المرأة كلها عورة يجب سترها، ومن العورة : الوجه فهو غير مباح كشفه؛ لأنه جماع كل المحاسن أكثر الأعضاء فتنة وإغراء وجذبا، وهو باعث على الفتنة والشهوة، والاستمتاع بالإضافة إلي غيره من الأعضاء؛ فلذا مايزال الناس من الشعراء والأدباء والفنانين يتغنون بجمال الوجه ويتلذذون ويستمتعون، وكل البلاء والخطرفي كشف الوجه. فكيف يجوز إبداؤه وإظهاره؟ وكيف يبيح كشفه العقل السليم فضلا الشريعة؟