دور الفرد المسلم في إصلاح المجتمع
الأستاذ صابر معصوم القاسمي
ومعلوم أن المجتمع وبوجه أخص المجتمع الإسلامي الحديث في أمس الحاجة إلى الإصلاح، لأجل أن المنكرات قد تسربت إليه للغاية بألوانها المختلفة من الجنايات والخرافات وانتهاج الحضارة الغربية الهدامة التي قامت على أساس مادي بعيد عن روحانية الدين، ومن العادات والطقوس الباطلة والتقاليد الجاهلية، وهكذا من محارم الله تعالى ورسوله، ومن البدع المحظورة في الدين. وأيضا الشرك قد انتشرفيه بأشكاله وأنواعه، فهذا يعبد القبور، وهذا يدعوصاحب القبر، وهذا يستغيث به، وهذا ينذرله، وهذا يطلبه المدد, كما يفعل المشركون في كل زمان ومكان مع أصنامهم وأوثانهم في التعظيم والدعاء، والاستغاثة والتمسح، والتبرك وطلب المدد وماإلى ذلك.
أحاول أن أقدم بعضا من طرق إصلاحه- المجتمع الإسلامي الحاضر- في نور الوحي من الكتاب والسنة. وأرجو أن تكون كلمتي موجزة أمام القارئ الكريم. فليعلم أنه برعاية كاملة من الفرد المسلم يمكن تكافح المنكرات المتسربة إلى المجتمع الإسلامي الحاضر بأسرها، وذلك لأن الله عزوجل قد أودع في كل فرد مسلم صلاحية التقويم والإصلاح فطرة. وهذه الصلاحية المودعة هي الأخرى التي قد تسببت لتوجيه أمر الله تعالى بالمعروف والنهي عن المنكر لكل فرد مسلم من خلال آيات وأحاديث، ففي التنزيل العزيز قال الله عزوجل :(كنتم خيرأمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكروتؤمنون بالله). وقال- تعالى-:( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.) وفي الحديث الذي جاء في سنن الترمذي‘ عن حذيفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ’’والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم لتدعنه ولايستجاب لكم‘‘
يشار إلى أن صلاح الكل يعتبر بصلاح جزءه, كما أن فساد الكل يعتبر بفساد جزءه طبعا، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين‘’’ ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب‘‘ فبالتالي يعتمد المجتمع في صلاحه وتدهوره على الفرد, فبصلاحه يصلح المجتمع وبفساده كذالك يفسد المجتمع‘ وقد أجاد القائل : إن من أوليات إصلاح المجتمع القيام بإصلاح النفس والذات .
فالواجب على الفرد المسلم أن يبتدأ بنفسه فيجتهد في إصلاح سيرته ومسابقته إلى كل خير، فيكون مع أول الناس في كل خير ومن أبعدهم عن كل شر، يمتثل تنفيذ كتاب الله –تعالى- وتنفيذ سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في أعماله وفي أقواله وفي كافة مجالات وحقول الحياة المتبائنة وأنشطة متفاوتة، هكذا يكون المؤمن، ويحرص على العلم والفقه في الدين، حتى يستطيع أن يوجه المجتمع إلى الطريق السوي ويأخذ بيده إلى شاطئ السلامة وسفينة النجاة، وحتى يعلم كيف يعمل ثم بعد ذاك يسعى للإصلاح بين الناس بالأمربالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وإصلاح ذات البين، إلى غير ذاك، ويسعى بكل جهده إلى إقامة أمرالله في أرض الله – تعالى- وإلى ترك محارم الله, والوقوف عند حدود الله وإلى الحذرعن الشرك والبدع المحظورة في الدين بجانب دراسة أوليات الدعوة إلى الله والعوامل التي بها صلاح المجتمع.
مما يوضح أن من أوليات الدعوة إلى الله – تعالى- أن يقود الداعي سفينته بصبر وإخلاص, وصدق وحكمة، وموعظة حسنة، وأن يخاطب كل إنسان بما يليق به، حتى يتحقق النجاح في مهمته ويصل إلى غايته. قال الله عزوجل: اُدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي اَحسن الآية وقال: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاغليظ القلب لانفضوا من حولك…. ومن أوليات الدعوة أن لايبالي الداعي إلى الله بإرجاف من يعادي الإسلام من أي صنف، بل يصمد في الميدان ويصبر ويعلق قلبه بالله ويخافه – سبحانه- ويرجو منه النصر فهو الناصر وقد وعدأن ينصر من نصر، اذ قال: يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصر كم ويثبت أقدامكم. وهذا الأساس العظيم يجب أن يكون منه المنطلق لمن يتولى إصلاح المجتمع، كي يرتكزهذا الإصلاح على أعظم عامل وهو الإخلاص لله –عزوجل-.
أما العوامل التي بها صلاح المجتمع فهي العوامل التي قام بها صفوة الرحمن وخيرته في خلقه سيدنا ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- والتي درج عليها الرعيل الأول من الصحابة الكرام -رضوان الله تعالى عن الجميع- والتي سار عليها السلف الصالح – رحمهم الله تعالى- ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا الذي صلح بها أولها، كذا قاله إمام دار الهجرة مالك بن أنسرح ، والمعنى : أن الذي صلح بها أولها وهو العناية باتباع كتاب الله تعالى, واتباع سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ودعوة الناس إليهما; هو الذي يصلح به آخرها لحد القيامة.
فهذا الفرد المسلم باللجوء إلى صلاح نفسه, وإصلاح غيره واحدا بعد الأخرعبر دعوته إلى الله يستطيع وحده في النهاية إصلاح المجتمع بل وبناءه. وقد قيل : الرجل ذوهمة يحى الأمة، ولأجله قيل بشأن سيدنا إبراهيم الخليل -عليه السلام- : إنه كان أمة’’ كان إبراهيم أمة واحدة‘‘.
وبالأسف الشديد أقول: إن كثيرامن الأفراد المسلمة – خاصتهم وعامتهم- يمتلكون الطموح من الصلاح والتقى وهكذا من أمور الدين فأصبحنا نشاهدهم يتعامون عن إصلاح مجتمعاتهم الفاسدة‘ يكتفون بالصلاح و يعرضون عن الإصلاح. أما السبب فيعود إلى سهولة الأول بالمقارنة بالثاني- رغم صعوبة الأمرين- من جهة وإلى سوء فهم لمعنى الصلاح من جهة اُخرى .
ومن الملاحظ أن الصلاح يشمل الفرد في ذاته في النهاية وأما الإصلاح فهو التحرك الذي يقوم به الفرد أو الجماعة تجاه نفسه أو غيره لتحقيق الصلاح في النهاية، فالمصلح هو العنصر الإيجابي في المجتمع, وأما الصالح فهو من ثمرات المصلح‘ وإذا توقفت عملية الإصلاح ازدار الصالح اقترابا من الفساد‘ من هنا جاءت آيات الكتاب المبين في غاية الوضوح ترفع من قدر المصلحين غيرعابئة بالصالحين إذ قال الله تعالى: ’’وماكان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون‘‘ لاصالحون، وقال: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وقال: (كنتم خيرأمة أخر جت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)
وفي معرض حديثه -صلى الله عليه وسلم- عن مسؤولية الجماعة تجاه الأفراد الفاسدين وما يتبع ذالك بالضرورة من فساد المجتمع كله، ومايترتب على كل ذلك من هلاك الجماعة، تساءل المستمعون من صحابته -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ’’أنهلك وفينا الصالحون يارسول الله ؟ قال نعم‘‘. ويوضح الفكرة أيما توضيح حديث السفينة الذي يحدد علاقة الفرد بالجماعة ومسؤولية الجماعة تجاه فساد أو إفساد الأفراد وكيف أن الغرق يهدد كل من على السفينة ومنهم الصالحون إن هم وقفوا متفرجين على إفساد الأفراد ’’فإن أخذوا على يديه: أي منعوه من العبث، نجا ونجوا، وإن تركوه هلك وهلكوا‘‘ وعندما لاحظ أبوبكر – رضي الله عنه – سوء فهم بعض الناس للآية الكريمة (ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضل إذا اهتديتم) قال: أيها الناس إنكم تفهمون هذه الآية على غير ماتعنى، وأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لـتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليلعنكم الله بعذاب، “فتدعونه فلا يستجاب لكم‘‘. صحيح أن الذي اهتدى لايضره ضلال غيره‘ لكنه لايجوزله أن يقف متفرجا فيكتفي بصلاح نفسه ولايتحرك لإصلاح الضالين.
وعصارة القول: أن الإسلام لايكتفي من المسلم بصلاحه في ذاته فحسب، بل لا بد له من أن يكون مصلحا ويمنع الفساد والإفساد. فالإصلاح بمنظار الإسلام من صميم ما يعني الفرد المسلم. هذا وأسال الله تعالى أن يوفق الجميع للإصلاح بعد الصلاح وأن يحول مجتمعنا مجتمعا صالحا.آمين