خطر عداوة العلماء
الأستاذ المفتي همايون كبير الخالوي
التقديم:
العلماء حفاظ الدين، وإن الله تعالى جعلهم من شعائر الإسلام، فتوقيرهم واجب على كل مسلم، وقد قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج، الآية: 32)
والعلماء هم الذين يخشون الله تعالى كما حقه لأنهم يعرفون قدره، وإليه أشار قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَـزِيزٌ غَفُور﴾ (الفاطر، الآية: 28)
والعلماء لهم فضل على غيره سبعين درجة لأنهم زينة الدين والدنيا كما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ حَفِظَ عَلَى أُمَّتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثًا فِيمَا يَنْفَعُهُمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَفُضِّلَ الْعَالِمُ عَلَى الْعَابِدِ سَبْعِينَ دَرَجَةً، الله أَعْلَمُ بِمَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ”. (شعب الإيمان، رقم الحديث: 1596.)
وقال الإمام الرازي: الدُّنْيَا بُسْتَانٌ زُيِّنَتْ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عِلْمُ الْعُلَمَاءِ وَعَدْلُ الْأُمَرَاءِ وَعِبَادَةُ الْعُبَّادِ وَأَمَانَةُ التُّجَّارِ وَنَصِيحَةُ الْمُحْتَرِفِينَ. فَجَاءَ إِبْلِيسُ بِخَمْسَةِ أَعْلَامٍ فَأَقَامَهَا بِجَنْبِ هَذِهِ الْخَمْسِ جَاءَ بِالْحَسَدِ فَرَكَزَهُ فِي جَنْبِ الْعِلْمِ، وَجَاءَ بِالْجَوْرِ فَرَكَزَهُ بِجَنْبِ الْعَدْلِ، وَجَاءَ بِالرِّيَاءِ فَرَكَزَهُ بِجَنْبِ الْعِبَادَةِ، وَجَاءَ بِالْخِيَانَةِ فَرَكَزَهَا بِجَنْبِ الْأَمَانَةِ، وَجَاءَ بِالْغَشِّ فَرَكَزَهُ بِجَنْبِ النَّصِيحَةِ. (تفسير الرازي: ج2، ص402.)
أهمية العلماء وفضلهم:
العلماء لهم فضل كبير وهم صواحب الخير الكثير كما قال تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ (البقرة، الآية: 269)
ولهم درجات عند الله تعالى كما قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (المجادلة، الآية: 11.)
قال الإمام الرازي: ﴿والَّذين أوتوا العلم درجات﴾ والله فضّل أهل بدر على غيرهم من المؤمنين بدرجات وفضّل المجاهدين على القاعدين بدرجات وفضّل الصّالحين على هؤلاء بدرجات ثمّ فضّل العلماء على جميعِ الأصناف بدرجات، فوجب أن يكون العلماء أفضل النّاس. (مفاتيح الغيب، ج2، ص400)
وهم مغفورون بسبب خدمة الدين كما روى أبو موسى الأشعريّ مرفوعا «يَبْعَثُ اللَّهُ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يُمَيِّزُ الْعُلَمَاءَ فَيَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ إِنِّي لَمْ أَضَعْ نُورِي فِيكُمْ إِلَّا لِعِلْمِي بِكُمْ وَلَمْ أَضَعْ عِلْمِي فِيكُمْ لِأُعَذِّبَكُمْ انْطَلِقُوا فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ».( مفاتيح الغيب، ج2، ص401)
وهم يصلحون تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين والغالين كما روي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُذْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “يَرِثُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ”. (السنن الكبرى، رقم الحديث: 20911)
وهم نجوم الأرض يهدي أهله في البر والبحر كما روى أحمد: عنْ أَبِي حَفْصٍ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الأَرْضِ، كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ، يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ، أَوْشَكَ أَنْ تَضِلَّ الْهُدَاةُ. (مسند أحمد بن حنبل، رقم الحديث: 12627)
حكم بغض العلماء وعقابهم:
قال أبو عمر القرطبي: قال أيّوب بن القرّيّة: “أحقّ النّاس بالإجلال ثلاثة: العلماء والإخوان والسّلطان، فمن استخف بالعلماء أفسد دينه ومن استخف بالإخوان أفسد مروءته ومن استخف بالسّلطان أفسد دنياه، والعاقل لا يستخف بأحد” (جامع بيان العلم وفضله، ج1، ص578)
وروي عن ابن المبارك قال: من استخف بالعلماء، ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء، ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان، ذهبت مروءته. (سير أعلام النبلاء، ج8، ص408)
قال صاحب الملل والنحل: لا ينبغي للعاقل أن يستخف بثلاثة أقوام: السلطان، والعلماء، والإخوان. فإن من استخف بالسلطان أفسد عليه عيشه، ومن استخف بالعلماء أفسد عليه دينه، ومن استخف بالإخوان أفسد عليه مروءته. (الملل والنحل، ج2، ص104)
قال الدكتور حسام الدين: ومن الذنوب التي يخشى أن يعجل الله عز وجل عقوبتها في الدنيا سب العلماء وأكل لحومهم كما قال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله: [أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب فلذا قال:- تعالى- {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}] (النور، الآية: 63)
وجوب بغض علماء السوء:
هناك نجد علماء السوء أيضا يجب الاحتراز عنهم والتعوذ منهم وزلتهم كما قال الأصبهاني: قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ: “كَانَ يُقَالُ: تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةَ الْعَابِدِ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ الْفَاجِرِ فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ” (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ج7، ص36)
وروى الطبراني: كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي مِنْ أَعْمَالٍ ثَلَاثَةٍ» قَالُوا: مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «زَلَّةُ الْعَالِمِ، أَوْ حُكْمٌ جَائِرٌ، أَوْ هَوًى مُتَّبَعٌ». (المعجم الكبير، رقم الحديث: 14)
فالعلماء وهم نجوم الأرض يجب اتباعهم في طاعة الله – تعالى- ويجب تعظيمهم لحب الله ورسوله ومخالفتهم سبب الهلاك والخروج عن سلامة الإيمان فالعياذ بالله من ذلك وأما علماء السوء فيجب التجنب عنهم للحفاظ على الإيمان والعمل من التلوث بالشرك والبدعات والخرافات.