الحرص على الرئاسة من أكبر مفاسد المجتمع

الحرص على الرئاسة من أكبر مفاسد المجتمع

الأستاذ الحافظ محمد جعفر الصادق

من المعلوم أن الإسلام هو دستور كامل للحياة الإنسانية والإسلام أوضح عن ماينفع ويضرّ الإنسان في مجالات الحياة، ومن أخطر المضرات التي تضرالحياة الاجتماعية” الحرص على الرئاسة والوجاهة” وهوأشدّ إهلاكا من الحرص على المال، وضرره أعظم والزهد فيه أصعب، فإن المال يبذل في طلب الرئاسة والشرف ومن المحال أن يجتمع عند العبد طلب العلوّ في الدارين، فمن طلبه في الدنيا حرم منه في الأخرة، يقول الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين﴾ (سورة القصص:83) حيث أننا نري في حياة المسلمين مايؤثر الحرص الشديدعلى الجاه و هو مفسد لدين المرء المسلم إفسادا كبيرا حتى لايكاد يسلم له من دينه إلا القليل عن كعب بن مالك الأنصاري عن النبي – صلى الله عليه وسلم- ماذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه (رواه الإمام الترمذي:2376) أي خليا وتركا، والإرسال مسبوق بالمنع, والممنوع أشد حرصا ممن لم يمنع بأفسد (سنن الترمذي صـ2376) أي بأشدّ إفسادا لها أي للغنم في إهلاكها وإتلافها من حرص المرء على المال والشرف لدينه، واللام في قوله عليه السلام:”لدينه”للبيان كأنه قيل: بأفسد لأيّ شيئ؟ قيل: لدينه، فحرص المرء على المال والشرف أكثر إفساداً لدينه من إفساد الذئبين للغنم، والمراد بالشرف: الجاه الوسيع، والعلو، والظهور، والمكانة عند الخلق؛ ولهذا قيل:”حب الظهوركم قصم الظهور!” فإذا اجتمع إلى حب الجاه حب المال والحرص عليه كان الفساد العريض لدين المرء المسلم، إن التحذير من التطلع إلى الرئاسات أمر يحتاج إليه كلّ مسلم، وهذا في هذا العصرالذي طغت فيه المفاهيم المادية على القيم الخلقية والدينية مطلوب تذكره والتذكير به على وجه أشدّ فهذا مثل عظيم يبين فساد دين المرء بحرصه على المال والجاه وإن فساد الدين بذلك ليس بأقل من فساد الغنم التى غاب عنها رعائها وأرسل فيها ذئبان جائعان. فيدل الحديث المذكور دلالة واضحة على أن لايجوز حب المال والجاه حيث أنهما أسهل الطرق إلى إفساد المجتمع البشري فلذا حذر السلف الصالحون كل التحذير عن الحرص على الرئاسة، وقاموا بذمه، ومن القليل من يحرص على رئاسة الدنيا بطلب الولايات، فيوفق بل إنه يوكل إلى نفسه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة – رضـ – يا عبد الرحمن ! لاتسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها.(رواه الإمام البخاري:7146)

من أقوال السلف المأثورة عن مذمته

قال بعض السلف: ماحرص أحد على ولاية فعدل فيها. وفي الحديث: إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة. (رواه البخاري: 6729).ومن دقيق الحرص على الشرف والجاه أن طالبه يحب أن يحمد على فعاله، والله يقول:”لاتحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلاتحسبنّهم بمفازة من العذاب”(أل عمران:188). ومن هنا كان أئمة الهدى ينهون عن حمدهم على أفعالهم وما يصدر منهم من الإحسان إلى الخلق، ويأمرون بإضافة الحمد على ذلك لله وحده لاشريك له؛ فإن النعم كلها منه. 

كتب عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- مرة إلى أهل الموسم كتابا يقرأ عليهم، وفيه: أمر بالإحسان إليهم، وإزالة المظالم التي كانت عليهم، وفي الكتاب: لاتحمدوا على ذلك إلاالله؛ فإنه لو وكلني إلى نفسي كنت كغيري، عبادالله! وإن الخطورة كل الخطورة في طلب الولايات بالعبادات، فالعلم والعمل والزهد إنما يطلب به ما عند الله. قال الإمام الثوري- رحمه الله-: إنما فضل العلم؛لأنه يتقى به الله، وإلا كان كسائر الأشياء. ويعظم الخطر إذا طلب به الحظوة عند الملوك و السلاطين، وروي أبوداؤد وغيرهما من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال في حديثه : وما ازداد أحد من السلطان دنوا إلا ازداد من الله بعدا له شواهد تعضده.

ويقول ابن رجب- رحمه الله تعالى- ومن أعظم مايخشى على من يدخل على الملوك الظلمة، أن يصدقهم بكذبهم ويعينهم على ظلمهم ولو بالسكوت عن الإنكار عليهم، عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه – عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال:”يكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم, فهو مني وأنا منه، وهو وارد علي الحوض”. (ابن حبان: 279) إخوتي القراء : إن عمارة القلب بتقوى الله- عزوجل- لهو العزة والشرف والجاه، فمن اتقى الله أحبه الناس وهابوه، ومن أعرض عن ذكره أبغضه الناس وشتموه و أذلّه الله، يقول الحسن البصري:”إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين، فإن ذل المعصية في رقابهم”. وكان حجاج بن أرطأة يقول:”قتلني حب الشرف”. فقال له سوار:” لواتقيت الله شرفت”. وبكل حال فطلب شرف الأخرة يحصل معه شرف الدنيا وإن يرده صاحبه ولم يطلبه، قال الله تعالى:”إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان وُدًا”(مريم:96)، أي:مودة في قلوب عباده. كذلك طلب الرئاسة، لاتثريب على من طلبها بحقها ممن يرى في نفسه القوة والأمانة بعد استشارة العارفين واستخارة رب العالمين، والتأكد من رسوخ قدمه في العلم واليقين. ولقد كان بعض الصالحين يتولى القضاء بقول :” ألا أتولاه لأستعين به على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. ويوسف نبي الله – عليه السلام – ( قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) (يوسف:55). ولكن إياك واستئثارك برأيك؛ فمن استبدّ برأيه هلك، فإن رأيت غير ذلك ففرّ إلى الله واستعفف يعفك الله. فاتقوا الله- أيها القراء! وانجوا بأنفسكم، واسلكوا طريق الاستقامة فإن فيه العزة والكرامة.

ومن أكبر مايؤسف أن المجتمع الحاضر قد عم فيه الفساد، والاضطراب، والجدال، لاتصاف أهله بالحرص على الشرف والرئاسة، وإن السياسة الراهنة لمن أخطر إنتاجات الديموقراطية التي مبناها على ذالك، فلذا كل من نشأ في البيئة السياسية المعاصرة، يتنافس في تولي الرئاسة ويحرص عليها، وأيضا تروج فيها تنافس بسط الأيدي في سبيل اغتصاب الجاه والرئاسة في كل قسم من أقسام الدولة. 

فربما تحدث واقعات فجيعة ودامية؛ حيث يقوم بصرف الأموال لقتل من عارضه في طلب الشرف والمنصب، وربما تولى الرئاسة من كان غير أهلها فوقع ماوقع من خلل، واضطراب، وظلم، وفساد وسلوك غير مسؤل، وما إلى ذلك مما تخسر به البلاد، والدولة، والرعايا خسرانا مبيناً، فيفضيها إلى الانحطاط من كل الوجوه، كما نطلع على ذلك يوميا بعد أن تصفحنا أوراق الجرائد اليومية، ونظرنا إلى وسائل الإعلام كفيسبوك، وتغريد وانترنت، وغيرها.

من الواضح أن الإنسان يبتلى بدائين عموما داء جسدي وداء روحاني، ويفسد قلب الإنسان بداء روحاني كما يفسد الجسد الإنساني بداء ظاهري، قال النبي-صلى الله عليه وسلم- “ألاوإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذافسدت فسد الجسد، ألا وهي القلب” (رواه مسلم: 1599) وأما الأدواء الظاهرة كالحمى والأمراض المؤلمة واعتلال الكبد وغيرها فيفسد بها صاحبها، كذلك الأدواء الباطنة تفسد بها أرواح الإنسان كالحقد والحسد والكبر والحرص وما إلى ذلك مما يهلك قلب الإنسان ويفتنه، ومن أكبرها الحرص، وهو نوعان: حرص على المال، وحرص على الجاه، كلاهما مهلكا صاحبهما، وأما الحرص على الجاه فهو أشد إهلاكاً من الحرص على المال. فمن ارتكب هذه الجريمة المفسدة يفسد نفسه مع المجتمع البشري؛ لأنها من الأمراض الباطنة التي تتعدى إلى الغير، ونحن نلاحظه الأن في الأوساط العلمية والبيئات الدينية أيضاً حيث يتمنى ذلك  ويتأثر به أرباب الحل والعقد الذين هم كقدوة الأمة وأسوة العلماء، بل يتنافسون في تولّي الرئاسة ونيل الشرف في المدارس الدينية تنافس أصحاب الهوى والمادية والسياسة الديموقراطية والعلمانية، وهم يتسلطون الرئاسة والمنصب كأنهم يتخذونه حرفة وصناعة ويحتكرونه احتكارا باسم خدمة الدين والعلم، فيقع في المراكز الدينية والمعاهد الإسلامية ماحدث من فتن واضطرابات وتنازعات كقطع الليل المظلم، ويحدث صراع واصطدام بينهم، وبين من لايوافقهم في اقتراحات وخطواتهم الفاسدة ولايعترفون بمواقفهم المعارضة للإسلام والعقل السليم، وأحيانا يصابون بالظلم والتنكيل والطردعن المسئولية والخدمة، والحرمان عن الحقوق الأساسية، كما نشاهد الأن ذلك بوسائل الإعلام التابعة للدولة وغيرها كأنها مراكز للتعاليم العصريّة التي هي منابع الأمراض الروحانية، ومختلف الانحرافات والمشاكل الاجتماعية ومن غاية الأسف أن بعض المراكز الدينية تحولت بيئتها الدينية والتعليمية إلى ماليس فيه روح ولاجدة ولاتوجيه إلى العدل والإنصاف والأخلاق الإسلامية والأسوة الحسنة التي هي من أكبر أهدافها الأساسية.

ولايخفى أن المدارس القومية أسست على التقوى والإخلاص، واتباع مناهج وأصول جامعة دارالعلوم ديوبند بالهند، فكان لها تاريخ ذهبي وتراث رائع في مجال التعليم والتربية وسبيل الدعوة والإرشاد، ولكن الآن تتكدر بيئتها التعليمية والتربوية الصافية ويسودّ تاريخها الأبيض بتعاقب فتن وتنازعات تنشأ من الحرص على المال والجاه. والله! تتعجب الأوساط العلمية من تلك الفتن والاضطرابات التي تقع فيها لأجل الاغتصاب أو احتكار الرئاسة والمناصب الإدارية وغيرها ولو القينا النظر إلى سلوك بعض القائمين عليها ومواقف أرباب مسئوليتها فلا غرو أن يقال إنها معاهد إنجليزية وكليات عصرية وجامعات حكومية ليس لها أي صلة و قلة نسبة بالإسلام وتعليمه ولاعلاقة لها  بجامعة دار العلوم ديوبند.

ومن المعروف أن الفتنة تبدأ في صورة معارضة وحركة صغيرة فإذا لم ينسد باب الفتنة تعظم تدريجا كشرارة النار فأخيرا تبدلت ثورة عامة كما شاهدنا ذلك قبل أيام قليلة في بعض أشهر الجامعات ببلاد بنغلاديش، ولعلها ثورة كبرى في تاريخها التعليمي والتربوي وليست هذه الثمرة المريرة الفاجعة إلا لتضخم الحرص على المال والجاه واحتكار السلطة والحصول على الأغراض الفاسدة والمرام الخبيث وإخضاع الآخرين كاستعبادهم وهكذا تبقى سلسلة الفتن على مرالأيام والعصور في المجتمع البشري عموما وفي المدارس القومية خصوصا إن استمر هذا المرض الباطني الذي يهلك أهله ويهتك حرمته في جميع المجالات فسيرد الانحطاط فيها وينحدر مستواها إلى  مالانتصور ولانتمنى أبدا، وعامة الناس يسوء زعمهم تدريجا بالمدارس القومية.

فعلينا أن نبتعدعن هذا المرض الهائل، ونتفكر لتطهير المدارس القومية عن مثل هذا الداء الفتاك وانتاجاتها السلبية كمسؤلية دينية.

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn