الالتزام بتعاليم الإسلام خير وسيلة لمواجهة فيروس كورونا
بقلم : فضيلة الشيخ المفكر الإسلامي الكبير محمد عبد الحليم البخاري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، ففي بداية الأمر نؤكد أن كل مايجري في هذا الكون فهو بإذن الله عز شأنه وأمره، قال الله تعالى: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ (الأعراف:54)
فالصحة والمرض، والفقر والغنى، والغم والسرور، والضحك والبكاء وكل أمر أو شأن في عباده وخلقه بأمر الله تعالى.
ثانيا: قـال رسـول الله – صلى الله عليه وسـلم- “لاعدوى” (الجامع الصحيح للإمام البخاري، رقم الحديث : 7557) فلامجال في الإسلام للقول: بأن الأمراض بنفسها تنتقل وليس هناك مايسمى بالأمراض المعدية التي تنتقل بنفسها فإذا انتقل انتقل بأمر الله تعالى، ولو كان الأمر كذلك فمن أعدى الأول كما قال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، فيجب على المسلم الصادق في إيمانه أن يعتقد بأن المرض لايصيب إلا بأمر الله تعالى.
ثالثا: حينما خلق الله هذه الدنيا خلق فيها الأسباب، وأمر عباده بأخذ الأسباب المناسبة واتخاذ التدابير الملائمة ولكن عليهم أن يتوكلوا على الله ويؤمنوا به وحده، فالإسلام يعترف بالأسباب، ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم – “فـِرَّ من المجذوم كما تفِر من الأسد”. (صحيح البخاري، رقم الحديث:1767)
رابعا: روى علي – رضي الله عنه – عن النبي -صلى الله عليه وسلم- “لا تُديموا النظر إلى المجذومين وإذا كلمتموهم فليكن بينكم وبينهم قيد رمح”.(رواه أحمد في “مسنده”، رقم الحديث:581)، وبهذا يتضح أن العدوى لا يكون إلابأمرالله.
خامسا: وجاء وفد من ثقيف إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليبايعوه، وكان فيهم مجذوم، وأراد أن يضع يده على يده للبيعة، فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “قد بايعناك، فارجع”.( الصحيح لمسلم:2231)
فهنا امتنع الرسول من مس المجذوم وهذا من باب الأخذ بالأسباب.
سادسا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخــرجوا منها، وفي رواية: فرارا منه. (صحيح البخاري، رقم الحديث:5728)
وهذا الحديث النبوي الشريف يؤكد بكل وضوح مايجب على المسلم فعله في مثل هذه الحالات الطارئة، فقد نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم أمته عن الدخول في أرض فشا فيها الوباء والطاعون حتى لايتعرضوا للداء، وذلك من باب أخذ الأسباب؛ كما نهاهم عن الخروج من الأماكن التي تفشى فيها الطاعون، بل أمرهم بالبقاء فيها صابرين ومحتسبين ليقدموا المساعدات العاجلة واللازمة للمصابين, وأن لاتنتقل الجراثيم الفتاكة إلى أماكن ومدن أخرى إذا خرجوا منها، فلذلك يجب علينا أن نتبع الإرشادات والتوجيهات والتدابير الوقائية التي يقدمها الخبراء والأطباء والجهات المختصة والسلطات المعنية.
حكم الجمع والجماعات: فإذا أصيب أحد لاسمح الله يجب على أفراد المجتمع أن يقفوا بجواره ويساعدوه للحصول على العلاج اللازم، ويجب على المصاب أن يكف نفسه من كل سلوك يعرض الآخر للخطر، ولكن لايصل إلى مدى ترك المأمورات الشرعية، فلا إغلاق للمساجد، ولاإيقاف للجُمع والجماعات للصلوات المكتوبات مخافة انتشار الفيروسات.
ويجدر بالذكر أن من يبرر إغلاق المساجد وإيقاف الجماعات بحديث المطر, ويدعو إلى أداء الصلاة في البيوت يجب عليه أن يعلم أن أمر المطر أمر تحقق ووقع فعلا، وأما أمر فيروس”كورونا” وانتشاره بسبب ارتياد المسلمين للمساجد فأمر محتمل، وليس من اللازم أن اجتماع المسلمين في مكان ما يعرضهم لخطر الإصابة إن لم يرد الله بذلك، وكم نرى من أعداد هائلة للقوات المسلحة في معسكراتهم وثكناتهم ورجال الشرطة في مخافرهم ولم يقل أحد بإخلائهم من أماكن تواجدهم، فلماذا ترفع الأصوات المسمومة والدعوات المشبوهة لمنع عباد الله من بيوت الله؟
نعم، الإسلام دين يقدر الظروف ويراعي الأحوال ويأمر بأخذ الأسباب المناسبة، فيحسن للمسلم في ظل هذه الظروف السائدة أن يتوضأ ويصلي السنن والرواتب في بيته، ويأتي إلى المسجد ليشهد الجماعة لوقت قصير، ولايخفى على أحد بأن الوضوء من أنجح السبل الوقائية للابتعاد من الجراثيم، ومن الجميل أن يستخدم الصابون، والخطيب يختصر الخطبــة والجماعة، والذي أصيب بالزكام والحٌمى لا يشهد الجماعة، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى من أكل بصلا أو ثوما أن يأتي المساجد، فكيف بالمرضى حاملي الجراثيم؟ وينصح للمسلمين أن يلبسوا الأقنعة حين تواجدهم في المساجد.
فالحل ليس في إغلاق المساجد وإيقاف الجماعات، بل الخروج من المأزق يكمن في التضرع والإنابة إلى الله تعالى. قال الله تعالى : “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا”.(البقرة:114)
سابعا: سجل التاريخ الطاعون الذي انتشر في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه – في بلاد الشام، وسمي بطاعون عمواس، وهلك ثلاثة أرباع سكان المنطقة التي انتشر فيها الطاعون، وكذا الطاعون الذي يسمى بالطاعون الجارف بالبصرة قد توفي فيه (83) من أبناء الصحابي الجليل أنس بن مالك – رضي الله عنه – وحفدته، ولكن -مع كل ذلك- ما أغلقت المساجد وما أقفلت أبوابها، فالمرضى ليس عليهم حرج، يصلون في بيوتهم ويصلون الظهر أربعا بدل صلاة الجمعة، ولكن تبقى المساجد مفتوحة للأصحاء، وهم الأغلبية الساحقة، وأداء الصلاة بالجماعة يحمل في الإسلام حيزا كبيرا من الأهمية ولذلك أمر بصلاة الخوف في ساحة المعركة وميدان الجهاد؛ تؤدي بالجماعة وعلى طريقة خاصة بها.
الطريق إلى النجاة: الطريق إلى السلامة من كورونا هو التوبة إلى الله والإنابة إليه والإكثار من الاستغفار، يقول الله تعالى:وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال: 33] وقال تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة:21)
الالتزام بالأدعية والأعمال التالية:
يصلي ركعتين يوميا للسلامة من فيروس كورونا والشفاء من كل مرض، وهذا عمل مجرب، وكان رسول الله إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
2 ـ يردد كثيرا “رب اغفر لي وارحمني” ( ابن ماجه:894)
3 – اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيئ الأسقام ( أبو داود:1554)
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولافي السماء وهو السميع العليم
وجاء في فضل هذا الدعاء أنه من حافظ عليها كل صباح ومساء يكون بإذن الله محفوظا من أن يصيبه فجأة بلاء أو ضر، فإذا قرأها في الصباح يعيش محفوظا من الضر إلى المساء، وإذا قرأها في المساء يبقى محفوظا إلى الصباح.
يلتزم بقراءة آية الكرسي، والرسول علمنا هذه الآية العظيمة للسلامة من كل آفة وبلية، فيقرأها وينفث على نفسه وعلى الأطفال الصغار.
يقرأ سورة الفاتحة صباحا ومساء، وهي تسمى بسورة الدعاء أيضا.
يقرأ المعوذتين وينفث على يديه ويمسح بهما على سائر جسده.
أسأل الله العلي القدير أن يحفظنا جميعا من هذا الداء القاتل وأن يشفي المصابين بها شفاء عاجلا وأن يلبسهم لباس الصحة والعافية، آمين يارب العالمين.