عقد جلسات الوعظ والنصيحة من أهم أجزاء  الدَّعوة الحكمية

عقد جلسات الوعظ والنصيحة من أهم أجزاء  الدَّعوة الحكمية

بقلم :  فضيلة الشيخ المفكر الإسلامي الكبير محمد عبد الحليم البخاري

إن الدعوة إلى الله وإلى سبيل الخيرلها شان عظيم. وهي ملاك الأمور الدينية، ومن أهم الفروض والواجبات على المسلمين عامة، وعلى العلماء خاصة. وأولُ منْ دعا إلى الخير هو الله جل وعلا.حيث قال الله تعالى {وَالله يَدْعُو إِلَى دَارِالسَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (يونس،25).ثم أنبيائه المرسلون ورسله المقربون في كل عصر، الذين أرسلهم الله تعالى بالحق داعين إلى الله.

والوعظ والنصيحة من أفضل الأساليب للدعوة،وقد جرت سنة الوعظ والنصيحة من يوم خلق الله فيه السموات والأرض، حيث أُنْزِل القرآن موْعِظةً للناس كما قال تعالى {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة،231)

وقد حكى القرآن عن موعظة لقمان لابنه بقوله {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (13لقمان)

لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد بعثته بأن يصدع بدعوة الهُدى ودين الحق صعِد على جبل صفا ونادى قبائل قريش يسمونهم بأعلى صوته، حتى اجتمعوا، فعرض عليهم الإسلام وشرح لهم التوحيد، فوقع ماوقع. فهنا ابتدأت السلسلة المباركة لجلسات الوعظ والنصيحة.

وقد ورد في الحديث القدسي” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنَّ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعَا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً” (البخاري في التوحيد 13/384)

في ملأ أي في جماعة ،وفي ملأ خير أي في ملأ من الملائكة.

فلذا كان النبي عليه السلام يعظ ويذكر حينا فحينا في ملأ من أصحابه ،ورُبَّما يذهب بعد العشاء يعظ في ملأ من الجن،كما ورد في حديث ليلة الجن “عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ فَقَالَ عَلْقَمَةُ: أَنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ، فَقُلْنَا: اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ، قَالَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلِ حِرَاءٍ، قَالَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ، فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَقَالَ: أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأَتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، قَالَ: وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ: «لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرُ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إخوانكم»(صحيح المسلم 450).

 وذات مرة كان وعظ أصحابه يوم العيد،والنساء خلفهم،فرأى أنه لم يسمعهن فأعاد الوعظ للنساء خاصة. كما ورد في ابن ماجة عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «صَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ فَأَتَاهُنَّ فَذَكَّرَهُنَّ وَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، وَبِلَالٌ قَائِلٌ بِيَدَيْهِ هَكَذَا، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْخُرْصَ وَالْخَاتَمَ وَالشَّيْءَ»(ابن ماجة 1273)

فتبدّى لنا من هذا أن جلسات الوعظ والمؤتمرات الدينية من أهم أجزاء الدعوة الحكميّة التي أمر الله بها بقوله  {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(النحل 125)

إذ أن هذه الجلسات تلعب دوراكبيراً في إصلاح الحياة الذاتية وتصحيح العقائد البشريَّة كما أنها تقوم بدورٍ فعّالٍ في بناء المجتمع الصالح المثاليّ .وفيما سلف من الزمان كانتْ لا تقوم بعقدها إلا المدارسُ الأهليّة،ثم توسعتْ هذه السُنَّة المباركة على امتداد البلاد حتّْى تقام مثل هذه الجلسات والمؤتمرات في كلِّ حيٍ من الأحياءِ.فلْيتنافسِ المتنافسون،ولمثل هذا فلْيعمل العاملون.

لكنْ مما يجدر بالذِّكر أنه لا يُبتَغى بها إلا وجهُ الله ورضوانُه ،ولا يُرادُ منها إلا إصلاح الناس وهدايتهم وإلا ستكون المبادرات كلها هباءً منثوراً و وبالا عظيما، ولايُصبِح القائمون عليها إلا من الذَّين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

وما أروع ما قال المصْطَفى-عليه أفضلُ التحية والسَّلام –”عن سهل بن سعد،أن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي:”فوالله،لأن يهدي اللهُ بِكَ رجُلاً واحداً خيرٌ لَكَ منْ أنْ يكُونَ لكَ حُمر النّعَمِ”(البخاري،3701)هذا،

وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين.

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn