الخادمات المضطهدات للمنازل:دراسة تحليلية

الخادمات المضطهدات للمنازل:دراسة تحليلية

محمّد زاهد صفا

والاضطهاد:من هو المسؤول عن مأساةالخادمات

التقديم: منذ عدة سنين بدأت بنجلاديش إرسال خادمة المنزل إلى خارج البلادفكم من فتيات بائسات سافرْنَ إلى الشرق الأوسط يرجوْن العيش الرغيد،وكم من خادمات معوزات رحلنَ إلى بلاد العرب يحلُمْن حياة السعيد.لكن من المؤسف الشديد،أن رجاء تلك المسكينات لم يتحققْ،وحُلم تلك البائسات لم يصدق؛ بل بقيتْ آمالهن أحلاما،وأن هذا الإرسال لم يجْذب لنا ولبلادنا نتيجة سارة، بل لم يمنحْ بلادنا إلا الهوان والذُّلَّ ،ونقص من شانها نعلم بالأخبار الشائعة في الجرائد الوطنية أنه ترجع كل يوم إحدى عشرة جثة في التابوت من الشرق الأوسط ،وعدد خادمات المنزل فيها غيرنادر.وقد سافرتْ من بنجلاديش أكثرمن مائتي ألف مرأة كخادمة المنزل إلى المملكة العربية السعودية في ثلاث سنين والنصف ممَّا مضى،وقد توفِّيتْ منها أكثر من300خادمة بسبب الجورالجسمي والاضطهاد الجنسي والجوع والمرض.وعادت كثيرة منهن بعد أن نجوْن بأنفسهن،كلهن تشكو أرباب المنازل ورجال الأسرة: تخريشهم، واغتصابهم ،واضطهادهم،وضربهم ومنعهم الطعام ،وحبسهم في المستحمَّات وما إليها من أنواع البلاء والعذاب.

فقدِّمت بهذا الصدد حلولاً مختلفة وآراء متنوعة انطلاقا من شتى المرجعيات، فمنهم من يفوضون الجرم والمساهلة على الحكومة لما أنها لم تحمل المسؤولية من أمن المرأة وسلامها. ومنهم من يقولون إن الوكالات الواهبة للتاشيرة والسماسير المطمِعين الخادعِين هم المسئولون عنها.

فنحن نريد أن ندرس هذه المشكلة انطلاقا من المرجعية الإسلامية. وقبل أن نخوض في صلب الموضوع نلقي ضوء من مكانةالمرأة في الإسلام، وحقوقها وما أعطاها من الكرامة.

مكانة المرأة في الإسلام:

لا يخفى على من له إلمام بتاريخ الأديان المختلفة أن الإسلام دين اليسر والسماحة وشريعة عادلة متوسطة. فالإسلام رفع شأن المرأة وأعطاها من الكرامة ما لم يعطِها أي دين أو مذهب قبله، كانت المرأة تعامل معاملة المتاع أو الدابة في الجاهلية، وكانوا يرون عارا أن تولد لهم أنثى فكانوا يئدون البنات. وقد حكى القرآن ذلك بقوله {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}

لكن الإسلام جاء بإكرام المرأة وتشريفها، فحرم وأدها وحفِظ حقوقها، وجعل تربيتها سببا لدخول الجنة، كما ورد في الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَى لَأْوَائِهِنَّ، وَضَرَّائِهِنَّ، وَسَرَّائِهِنَّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُنَّ» ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ ثِنْتَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَوِ اثِنْتَانِ» ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ وَاحِدَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَوْ وَاحِدَةٌ»

ولقَّبها خير متاع الدنيا، حيث قال:عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»

ومن تكريم الإسلام للمرأة أنه لم يولِّها الكسب والإنفاق على نفسها، بل جعل إنفاقها من ولادتها إلى آخر لحظة من حياتها إلى الرجال.

حفاظ الإسلام على أمن المرأة وسلامها:

ثم الإسلام ضمن عفة المرأة وحرمتها، و أكد أمنها وسلامها كما أنه رفع شأنها وأعلى قدرها،فأمرها بالوقر فى البيت والخروج مع الجلباب إن مست الحاجة إليه،كما قال تعالى { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ }وقال {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}

ومن بالغ اهتمام الإسلام بشأن المرأة أنه منع المرأة عن الخروج ولو للعبادات والطاعات،فجعل صلاتها في البيت خيرا من صلاتها في المسجد، وصلاتها في المخدع خيرا منها في بيتها، كما جاء في سنن أبي داود،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا» وأسقط عنها الجمعة والعيدين، وأداء الحج فورا إن لم يكن لها محرم.

من هو المسئول عن المشكلة:

فنحن نقول انطلاقا من المرجعية الإسلامية: إن المسئولة الأولى قبل الحكومة والوكالة والسمسار هي المرأة نفسها؛لأن الإسلام لم يولِّ المراة الكسب والإنفاق للأسرة،بل جعل إنفاقها على الرجال،فالأصل لها أن تبقى في البيت تربي الأولاد وتدبرالمنزل.فإن اضطُرَّت ودعت الحاجة إلى الكسب والعمل فلها حدود محدودة وشروط ملحوظة:منها وجود الحاجة إلى الكسب لتوفير احتياجاتها الضرورية وأن لا يكون ذلك بقصد الترفيه،وعدم الاختلاط بالرجال في العمل،والتزامها بالحجاب الشرعي خلال العمل،وخلو بيئة العمل من المحرمات،وكون المحرم معها في السفر.كما ورد في مسند أحمد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ».

فبعد توفر هذه الشروط لها أن تختار أي عمل يناسبها وأن تقوم بأي حرفة تلائمها.كما كانت عادة النساء الخيرات في عصر الإسلام الذهبي،فكنَّ يمتهنَّ الحرف اليدوية كما تشهد به الأحاديث والروايات:إن زينب إمرأة عبد الله بن مسعود كانت صنّاعا،فجاءت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ،إِنِّي امْرَأَةٌ ذَاتُ صَنْعَةٍ أَبِيعُ مِنْهَا، أَيُجْزِينِي مِنْ الصَّدَقَةِ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى زَوْجِي ؟قَالَ: «نَعَمْ».وكذا كانت زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا امْرَأَةً صَنَاعَ الْيَدَيْنِ.وجاء في مسند أبي شيبة عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَسَجْتُ هَذَا بِيَدِي، وأريد أن أكسوكها. ورُوي في المعجم الأوسط عن زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى هِنْدِ بِنْتِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ وَهِيَ امْرَأَةُ الْحَجَّاجِ بْنِ  يُوسُفَ وَبِيَدِهَا مِغْزَلٌ تَغْزِلُ بِهِ، فَقُلْتُ لَهَا: تَغْزِلِينَ وَأَنْتِ امْرَأَةُ أَمِيرٍ؟ فَقَالَتْ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَطْوَلُكُنَّ طَاقَةً أَعْظَمُكُنَّ أَجْرًا»[ص:330] وكذلك كانت أسماء بنت عميس تعمل في دباغة الجلود.

فينبغي للأرامل المعوزات و المسلمات البائسات لايشددن الرحال إلى الخارج؛ بل تمتهنُ الحرف اليدوية كالخيّاطة، والنسج، والرسم أو تربي المواشي في البيوت أو تختار أي عمل يناسبها من التعليم والتطبيب والتمريض، وهي في الحدود الشرعية؛ حتى يرزق الله الرزق ويفرج عن الضيق والشدة. والله الموفق والمعين.

الكاتب: طالب قسم اللغة العربية وادابها

بالجامعة الإسلامية فتية، شيتاغونغ، بنغلاديش.

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn