الاعتراف الرسميّ بشهادة الجامعات القومية بنغلاديش بين النفع والضرر
الاستاذ ابوطاهرالندوي
نحمده ونصلي علي رسوله الكريم أما بعد:
فإن التعليم الرائج في البلاد هوقسمان:الأول التعليم الجديد أوالتعليم العصري المستورد من خارج الدولة الذي ترأسه أوربا‘والثاني التعليم الإسلامي الديني الذي يحمل تعليم الكتاب والسنة ومركزه أرض الحجاز من مكّة والمدينة. وكلاهما للإنسان والإنسانية نفعًا ورقيًا وتهذيبًا وحضارةً.
وهنا أسئلة لابدّ من حلّها قبل البحث في أمرالنفع والضررحول التعليم والشهادة.الأول: ماهو الانسان؟ فإن الإنسان له جانبان جانب يقال له جسد الإنسان وظاهره، وآخرهوروح الإنسان وهو الأصل؛ وجسده هوالتابع له؛ فإن الجسم لاقيمة له بغير الروح، فإن خرج الروح يقال له ميت وليس له قرارولاوجود بدونه؛ فلاحق له في سائرأمواله، بل يملكها جميع ورثته. وكذالك في الإنسان شيئ أخر وثروة أخري يقال لها العقل، وبه يكون الإنسان مكلفا للشريعة، لولاه لكان الإنسان في حكم المجنون ولايستطيع أن يكلف في الشرع الإسلامي، بل له أن يقال بأن الفرق بين الإنسان والحيوان هو العقل فحسب، فبالعقل يكون الإنسان إنسانا مكلفا، وإلا فهو في حكم المجنون والحيوان الغير المكلف.
ففي الإنسان أربعة أمورهامة: جسمه وعقله وروحه وقلبه. فالثلاثة منها في داخل الإنسان، وجسمه في خارجه كمالايخفي.
السؤال الثاني: ماهوالموضوع للتعليم الجديد العصري؟ وماهوالموضوع للتعليم الإسلامي؟ فلاشك أن موضوع الأول هوجسم الإنسان وجسده، وليس له تعلق بروح الإنسان وقلبه، لكن موضوع التعليم الديني هو روح الإنسان وقلبه.
السؤال الثالث:ماهو الهدف لهذين التعليمين؟
هدف التعليم الجديد: هوالحصول علي الدنيا بمفهومها الشامل فحسب، بكسب الأموال دون نظر إلي الحلال والحرام.فطلاب الكليات الحكومية، و الجامعات الرسمية يتعلمون في الطب أو الهندسة أو المحاماة أو القانون الرسمي وغير ذلك، ليكونوا الأطباء أو المحامين أو المهندسين. وهم يظنون ويحسبون أن هذا التعليم الجديد سيعطي لهم رقيا كبيرا، ورفاهة عظيمة، وازدهارا جديدا في الدنيا .
والحقيقة الثانية هي أن هذا التعليم يخلق في القلب حب الدنيا وكراهية الموت ،فحب الشيئ يعمي ويصم،وحب الدنيا يدفع الإنسان إلى جميع الجرائم؛ لأن مقصده الوحيد هو الحصول على الدنيا فحسب .وقد قال الرسول في هذا الصدد “حب الدنيا رأس كل خطيئة.فكيف يرجى من هذا التعليم الجديد تحسين الأخلاق الفاضلة،
ما هو الهدف من التعليم الديني ؟
إن موضوع التعليم الجديد كان جسم الإنسان والهدف منه حصول الدنيا وجميع حركاته و متطلباته يتعلق بهذا الكون وبهذه الحياة الدنيوية فقط .وفي حين أن موضوع التعليم الإسلامي هو روح الإنسان وقلبه وعقله السليم ومقصده هو إصلاح الروح والحصول على مرضاة الله تعالى،والفوز بالدارين، فبينهما فرق بعيد وبون كبير.فقال تعالى في هذا الشأن{ فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} .إن روح الإنسان لا تعلق له بهذا الكون هو أمر من الله نازل من السماء.فلما كان جسم الإنسان توليد الأرض من مادة التراب والماء والنار والهواء فغذائه أيضا من هذا الكون من الأطعمة الإنسانية ‘نعم أن روح الإنسان نازل من السماء فغذائه أيضا من السماء أعني العبادات والطاعات .فروح الإنسان هو الأصل وجسمه تابع له ،إذا بأن التعليم الإسلامي هو الأصل للإنسان والإنسانية والتعليم الجديد هو تابع له .
الاعتراف الرسمي بالشهادة بين النفع والضرر :
فثبت من هذا البحث كالشمس في منتصف النهار بأن مقصد التعليم الديني الإسلامي هو الحصول على مرضاة الله عزوجل، والفوز بالجنة فبينما كان الهدف للتعليم العصري هو الحصول على متاع الدنيا والمفادات الدنيوية، فبين المقصدين للتعليمين بون بعيد كبين المشرق والمغرب. فإن كان طلبة العلوم الدينية أيضا ينظرون إلى الدنيا ومفاداتها التافهة خابوا وخسروا في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فإن هذا التعليم الديني لايجعلهم مهندسين أو أطباء اومحامين غيرذاك ولايمكن لهم الحصول على الوظائف والمكاسد المادية كما يحصل أصحاب التعليم أوالجديد وأما خسران الآخرة فإن هذا التعليم الديني إن يجعله ذريعة للحصول على الدنيا فسوف يذهب به إلى جهنم. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها.
والجدير بالذكر:أن هناك تعليم آخر مسمى بالتعليم الإسلامي الرائج في المدارس العالية الرسمية فالحقيقة أن هذا التعليم والتعليم الجديد سيّان هدفا ومقصدا وإن كانا مختلفين اسما ورسما.
هذا- فإن كان هذا الاعتراف الرسمي بالشهادة للجامعات الأهلية القومية مؤثرا على الطلبة بالغرض الفاسد من المفادات الدنيوية والتسهيلات الكونية فسوف يكون هذا الاعتراف نقصانا كبيرا حتما، فلابد لمسئولي الجامعات القومية أن يقوموا بإصلاح أذهان وأفكار طلبتهم، ويربوهم تربية صالحة ويرشدوهم إلى أمر واقعي بأن هذه الشهادة ليست بشيئ إزاء شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أزمنة بعيدة،حيث قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه نعم يستطيع الطلبة الدينية بسبب هذا الاعتراف على الحصول على بعض الوظائف الحكومية التي تتعلق بشؤون الإسلام والدين،كالخطابة في الجوامع الحكومية، وأداء الأذان، والقيام بالقضاء حول النكاح وما إليها. وفي جانب آخر أثبت هذا الاعتراف للأمة والجماهير خصوصا للأوساط المتعلمة المثقفة بان هذا التعليم له أيضا شأن،والمتعلم بهذا التعليم حري أن يعد ويعتبر من أصحاب التعليم وأهل الثقافة؛ إذ كان يظن أكثرالمثقفين والطبقة الجديدة منذ أزمنة بعيدة أن هذا التعليم الإسلامي ليس بشيئ وأصحاب هذا التعليم من العلماء المفتين وغيرهم عبأ على المجتمع والدولة، والرفاهية الإنسانية.
فخلاصة القول أن الاعتراف بشهادات المدارس القومية وإن كان أمرا إيجابيا لكن لايخلو من بعض الآثار السلبية التي تحتاج للنظر فيها و معالجتها.
الكاتب: استاذ الحديث ومساعد رئيس
الجامعة الاسلامية فتية، شيتاغونغ، بنغلاديش.