واجبات طالب العلم

واجبات طالب العلم

الأستاذ عبد السلام الرياضى

مكانة العلم: هنيئا لك أيها الدارس العزيز، إنك تعلم كم رفع الله عز وجل من درجة العلم ومكانته، إذ يقول: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}i ولاسيما إذا انضم إليه نور الإيمان، حيث يقول عز من  قائل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}ii وكما أوضح ذلك معلم البشرية وسيد الأنام -عليه أفضل التحية والسلام- قائلا: (1) «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ الله بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ …»   (2) وأروع من ذلك ما نطق به في هذا الجزء الكريم: «وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِى جَوْفِ الْمَاءِ». (3) وأسمى من ذلك ما قال فيه: «وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ». (4) بل أعظم منه قوله^ : «…كفَضْلِيْ عَلى أَدْناَكُمْ»، سبحان الله! ما هذا الشأن لأهل العلم والإيمان من ذي العرش الكريم الرحمن! (5) بل اهتم الإسلام بالعلم أكبر ما يمكن أن يهتم به، ألا ترى أن أول كلمة في الإسلام أوحى الله بها إلى رسوله الأكرم معلم الإنسانية هي “اِقْرَأْ”، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}ivيعنى اكسب العلم، وهل توجد ديانة أو نظرية إهتمت بالعلم بهذا القدر البالغ؟!  لا، بل ألف لا. (6) وأعجب منه أن جاء قول “اِقْرَأْ”، بحذف المفعول، لعلّ فيه أدق إشارة أو أكن إيماء إلى أن اقرأ كل ما يجديك أو يجدي أمتك، بل كل ما يفيد الخلق مطلقا؛ فإنك بعثت معلما ورحمة للعالمين، أفلا تندم أيها الإنسان المسلم، أيها الطالب المسلم، أن تكون جاهلا، أن تكون نسبة من يعرف القراءة من شعبك 70% في المأة؟ (7) وسر هذا الاهتمام البالغ بالعلم هو أن تقدم قوم أو شعب يعتمد على مستواهم العلمي والمعرفي، فمهما تقدموا في العلوم والمعرفة تقدموا في ازدهار الحياة والتعايش والتعامل وفشو الحياة السعيدة ورقي المجتمع

ضرورة الاعتناء بالعلم: ولكن هل أخذت الأمر بهذا القدر البالغ من الاهتمام والاعتناء كما ينبغي لك؟ وهل أدركت الموضوع بأحاسيسك النيرة وشعورك الغائر، فعليك أن تكون مرهف الشعور في ذلك علما بأن الاهتمام بالشيء على قدر قيمته وارتفاع مكانته.

أخي الطالب! أنت كبادي الدراسة من العام الجديد هل فكرت أن هذا عام جديد يتطلب منك نشاطا جديدا، وجهدا كثيفا، وعزما حاسما؟ فهل استعددت لذلك؟ وهذه دراسة جديدة تطلب منك إخلاصا جديدا ورغبة جميلة، وحرصا بالغا، ومثابرة متواصلة، وصدقا مع الله، وصدقا مع نفسك، وصدقا مع شعبك، وهل تنبَّهت إلى ما أرشدك إليه رسولك وحبيبك محمد المجتبى^ ؛ لتكون أعمالك مقبولة ومجهوداتك مشكورة، وأن تكون في عملك ناجحا، ولا تكون شقيا ولا محروما، إذ يقول: “إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ”v ، ألا تعلم أن أعمالك دون هذا الإخلاص والصدق ستكون هباء منثورا، ووبالا على نفسك، وحجة عليك لا لك، فالعياذ بالله، كما أوضح ذلك المصطفى^ حيث قال: خسران من ترك الإخلاص في هذا العلم: “مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغي بِهِ وَجْهُ الله، لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عِوَضاً مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”vi،  وبه قال الإمام أبو حنيفة في بيته:

من طلب العلم للمعاد* فاز بفضل من الرشاد

فيا لخسران طالبيه * لنيل فضل من العباد.vii

واجبات طالب العلم: إخواني الأعزاء، هل سبقكم أن فكرتم ما هي الواجبات عليكم نحو هذا العلم الذي هو أغلى ثروة وأعظم دولة وأوفر حظ في العالم؟ اسمعوني:

(1)الجد والاجتهاد: قال الحكماء: العلم شيء إن تعطه نفسك كلها يعطك بعضه، وإن تعطه بعضك لايعطك شيئا، فما ظنك إن تشته العلم كله؟ كم تبذل جهدك؟ وكم تستطيع؟ ومن هنا قد ترى بعض السلف والله العظيم، لقد ضحوا أنفسهم لأجل العلم، بل قد تفانوا في سبيله، وذلك لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}viii، فمنحهم العلمُ نفسه، فأخذوا منه بحظ وافر، وفازوا فوزا عظيما، فكان أحدهم يسهر الليالي، ولا ينام إلا يسيرا ودون محدة، وكان الآخر لايأكل إلا قليلا، وكان الثالث منهم لا يتكلم إلا تحاورا علميا، فكان العلم هو شغلَهم الشاغل، هذا ما يرتبط بالبذل والسعي والإجتهاد.

(2)تعظيم العلم: أما تكريم هذا العلم، خصوصا القرآن الكريم والحديث الشريف فما أدري كيف شأنكم وما بالكم فيه؟ وقد قيل: “ما وصل من وصل إلا بالحرمة”، وهذا الإمام الجليل إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه كم كان يكرم الحديث؟ إنه لا يخرج لتدريس الخديث إلا وقد اغتسل أو توضأ قبل ذلك، ولبس أحسن الثياب، وتطيب، وجلس جلسة التحيات تواضعا واحتراما لهذا العلم الشريف،  فما هذا التعظيم للعلم؟ وكان السلف لا يذاكر ولا يطالع الكتب الدينية إلا ومع الوضوء والطهارة الكاملة.

(3)تعظيم الأساتذة: اخواني الطلاب! استأنفوا بتعظيمكم العلم والأساتذة من جديد، وقدروهم. (1) ولا تنسوا: ما قال لكم الخليفة الراشد سيدنا على رضي الله عنه حيال تكريم الأساتذة حيث قال: “أنا عبد من علمني حرفا واحدا، إن شاء باع، وإن شاع أعتق، وإن شاء استرق”  يا سلام! ما هذا الكلام! فيا تُرى، كم كان تعظيمه لأستاذه؟ وكيف كان شعوره نحوه؟ وهو السيد الراشد المطاع بشهادة سيد المرسلين^: “عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ”xi، وليس هذا قول أحد من  عادي الناس لتتخذوها ورائكم ظهريا، بل هو قول الذي تربي وترعرع في بيت النبوة، حتى ظل رابع الخلفاء الراشدين المهديين بعد. (2) وكان السلف قد أخذوا هذا الجانب باهتمام بالغ، ألا ترى ما جرى بين الإمامين الهمامين الإمام البخاري والإمام مسلم حيث قال الثاني للأول وهو أستاذه في الحديث: “دعنى يا أمير المؤمنين في الحديث أقبل رجليك بعد أن قبل يديه”. (3) وهذا الشيخ الجليل الخطيب المصقع النحرير حسين أحمد المدني قد دخل السجن بإكراهه المسؤولين الإنكليز على ذلك مع أستاذه الذي كان شغفه حبا، ألا وهو الشيخ محمود حسن الديوبندي رحمهما الله، فلما قبض عليه الحكومة الإنكليزية، وقرروا أن ينفى بجزيرة “أنديمان”، فأجبر هذا التلميذ الرشيد المسؤولين ليكون مع أستاذه في الجزيرة، ففعلوا ذلك مضطرين. (4) ولاتنس ماحدث مع الإمام الأصمعي بابن الخليفة هارون الرشيد، حيث كان يصب الماء وهو يتوضأ، فرآ الخليفة هذا المنظر، ولم يرض عن ذا، فقال: أيها الأستاذ، لِمَ لم تامره أن يصب الماء بإحد ي يديه، ويغسل رجلك بيده الأخرى؟ وهذا تحقيق لتعظيم الأستاذ من أحد أكبر سلاطين الأرض، وقد حفظ لنا التاريخ مئات الأمثال من هذا القبيل، فلا نطيل عليكم بذكرها.

تحديد الأهداف: يامن هم آمال الغد ومستقبل الشعب، حاسبوا أنفسكم فيما انصرم منكم من الأعوام الدراسية الماضية، فحاولوا الجبر لتقصيراتها، واجعلوا لأنفسكم أهدافا منشودة سامية، وأحلاما نبيلة تسعون لتحقيقها ببذل كل الجهود، والله من وراء القصد، وأنا أضرب لكم مثالا، كأن يكون هدفكم (1) أن تتربى كأحد عباقرة الإسلام لا لشيوع الصيت، ولا لذيوع الذات، ولا لنيل عرض من الدنيا، بل لنيل مرضاة الرب، ولإبلاغ رسالة الإسلام الخالدة، إلى الناس جميعا {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}  (2) وأن تكون رفيع الهمم للغرض نفسه؛ حيث يقول رسول الله^: “إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها”

أما كان المصطفى ^ طفلا غلاما مثلك لايدري ما الكتاب ولا الإيمان ولا يخطه بيمينه، ثم أصبح نبيا مرسلا فأخرج الناس من الظلمات الغواية إلى نور الهداية، ألم يكن يوما الخليفة الراشد أبوبكر الصديق غلاما مثلك، ثم صار أفضل الناس بعد الأنبياء، وهو الذي يقال له مساعد الإسلام، لولاه لخسر الإسلام، وعليه اخترع الشيخ الندوي ضرب مثال: “ردة ولا أبا بكر لها”.

وهذا الداعية الكبير الأديب البارع المبدع سماحة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ألم يكن يوما فتى يافعا مثلك، ثم كيف بلغ ذروة المجد والتقدم والازدهار والتطور في العلم والعمل والزهد والتقى والربانية والهدى، وما بلغ إلى هذه المنزلة الرفيعة والمناقب العليا والمكانة السامية والأهداف المرموقة إلا وبالتخطي على مدارج الجد والاجتهاد والحرص والحماس والمثابرة والمداومة والاستقامة، والله هو الموفق، وعلى ذلك قيل: “خزائن المنن على قناطير المحن”، وكما قال الشيخ نفسه: المنحة بعد المحنة، فعليك حبيبي! أن تحقق شروط العلم.

تحقيق الشروط:  فانظروا إلى ما يعزى إلى سيدنا على رضي الله عنه، وقد أوضح فيه شروط طلب العلم: ألا لا تنال العلم إلا بستة = سأنبئك عن مجموعها ببيان

ذكاء وحرص واصطبار وبلغة = وإرشاد أستاذ وطول زمان.

وما أحسن ماقال الشاعر: بقدر الكد تكتسب المعالي + ومن طلب العلى سهر الليالي.

فإن توفرت فيك كبادئ الدراسة في بداية  السنة كل ما ذكر أعلاه  فإنه يمكن أن نصف ذلك خير بداية، وأعلم أن خير بداية توحي إلى حسن الاختتام بإذن الله، كما يقال في الإنكليزية: Good begining is half done. ، هذا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

الكاتب: أستاذ الحديث بجامعة دار المعارف الإسلامية، شيتاغونغ

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn