الأمة المسلمة بين الماضى والحاضر والمستقبل

الأمة المسلمة بين الماضى والحاضر والمستقبل

محمّد شاكر الله صادق

الحمد لله حمدا يوافى نعمه ويكافى مزيده، والصلوة والسلام على من لانبى بعده، وعلى اله وأصحابه الذين بذلوا حياتهم لنشر الملة الاسلامية، أمّا بعد قال – تعالى -: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ (آل عمران: 139-140)

ماضى الأمة :  إن تاريخ ماضى الأمة  المسلمة لعجيب وغريب فى التاريخ الإنسانىّ، فإن مشاهده وأحداثه تفوق مايتصور عليه، وفى ظل الإسلام قدم الصحابة كثيرا من صور التفانى والتضحية على نحو لم يحدث فى تاريخ أمة قبل، حيث إن الجاهلية الأولى ملكت أصحابها وحكمتهم ردحًا من الزمان، حتى بعث لبنة التمام، ومسك الختام، محمد عليه -الصلاة والسلام-  فنبذوا الجاهلية وراء ظهورهم، بعد أن ذاقوا حلاوة الإيمان، وبعد أن فروا إلى ربهم، وإلى الإيمان والتصديق والتسليم لنبيهم، فماذا كانت النتيجة؟. كانت النتيجة أنهم أصبحوا سادة وقادة، وصاروا أعزة بعد ذلة، وأصحاب علم وبصيرة بعد غفلة وجهالة، وسادة ملك وأمة، بعد تشتت وفرقة، والتاريخ الإسلامي مليئ بهذه الحقائق، والقرآن يحدثنا عن ذلك فيقول تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾(آل عمران: 103)  والصحابة كلهم كانوا مفدين للنبى-ازكى الصلاة والتسليم- وقرره سبحانه وتعالى من أجزاء الإيمان، حيث كانوا مصداق هذا الشعر “لكل عين قرة فى قربه * حتى كأن مغيبه الأقذاء”  و”يارجاء العيون فى كل أرض* لم يكن غير أن أراك رجائى” وصاروا إخوانا وانتشر الأمن والسلامة فى كل مكان، وصار المجتمع مثاليا إلى الان.

واقع الأمة المعاصر: من الحقيقة التى لامراء فيها ولاجدال أن أُمَّتنا تعيش اليوم حِقبة من أشد الحِقَب حَرَجًا، وتُعاني أشدَّ المعاناة، من جرَّاء ما نزَل بها من الشدائد والمِحَن، وأنها تحيى حياة الذل والهوان والاستكانة  حتى أصبح كل مكان لها كربلا وكل يوم عاشوراء، وأصيبت في مقتل، وأنزل بها عدد من الكوارث والبلايا، ووقعت في التبعية الذليلة لأعداء الله تعالى ورسله، وسلمت القيادة لغير من يستحقه، وتخلت عن رسالتها التي ابتعثها الله تعالى من أجلها، تواجه اليومَ بتحدِّيات شتى تستوجب علينا دراسةَ واقع الأُمَّة بكلِّ موضوعيَّة، وأنها مطاردة مضطهدة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، في آسيا البوذية، وأوربا المسيحية، وفي إفريقيا السوداء، من قبل سائر الأديان كما أخبر بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم- قبل ألف وأربعمائة وثلاثين سنة في حديث القصعة المشهور والمحفوظ ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

قال الصادق المصدوق ^ ((يوشِك الأُمم أن تَدَاعى عليكم، كما تداعى الأَكَلة إلى قَصْعتها))، فقال قائل: مِن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: ((بل أنتم كثير، ولكنَّكم غُثاء كغُثاء السَّيْل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهن))، فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: ((حُبّ الدنيا، وكراهيّة الموت))؛ (رواه الإمام أحمد) وهذا هو واقع الأُمَّة الإسلاميَّة اليوم ، حيث أنشد قائل-ما كان في ماضي الزمان محرمًا * للناس في هذا الزمان مباح.

وما آل إليه الأمة: فما هو طريق التخلص عن ذالك؟ وماهو طريق الإصلاح ؟ فلقد اهتم أرباب الفكر الإسلامي وأصحاب العرة الإسلامية وأصحاب التفكير الكثير بحال المسلمين وما آل إليه أمرهم، وهدانا إلى إصلاح هذا الامر الإمام مالك يقول: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلحها أولها»، الذي أصلحها أولها ما هو؟ هو الكتاب والسنة وأتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم- إن تمسكت اليوم الأمةالمسلمةبكتاب الله وسنةرسوله مؤمنين كاملين ، زال الذل والإهانة  غدا عنا إن شاء الله حيث أشار الله تعالى اليه بقوله-: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾

نعم، لقد آن الأوان أن تعود أمة التوحيد والإسلام إلى شريعة ربها، وأن تعود إلى سنة نبيها، وإلى القرآن دستورها، وأن تشعل الإيمان المخدر في القلوب الغافلة، وأن تغرسه في الأجيال الصاعدة، لتكون أهلاً لحمل رسالة الإسلام والهدى، ولتبليغ مبادئهاإلي العالمين، فلابد لنا من هذه العودة الصادقة الجادة، و كذلك من اتخاذ الأسباب الموصلة إليها، الهادية إلى طريقها لماذا؟

لأن الأمة الإسلامية فرت فرارًا كبيرًا إلى كل ما يبعدها عن هدى الله تعالى وقرآنه، وعن هدي رسولها – صلى الله عليه وسلم – وسنته، وعن طريق عزها وشرفها وسيادتها من الفاحشة والعري والزني الخنى والإباحية والإسفاف بالأخلاق والتميع بالقيم، لقد جربت الأمة كل ألوان الفرار وأنواعه، حتى صارت إلى ما هي عليه الآن من الذل والاستكانة والاستعباد.

فلابد لنا من البداية الصحيحة لطريق الهداية والإسلام، حتى تثبت أقدام الإسلام، وتصلح أمة التوحيد والهدى، بترسيخ عقائدها، وتهذيب أخلاقها وتحكيم شريعتها، وحتى ترفع ألويتها، وتعيد مجدها وحضارتها، وإن بداية الهداية، وأصل التغيير والإصلاح لا تأتي من الخارج كلاّ، بل من الداخل وهذا مصداق قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

وبعد هذه الهوة الكبيرة من الانحراف والضياع، والذلة والهوان، فقد آن الأوان لأمة الإسلام أن تفرّ إلى الله حق الفرار، وأن تعتصم به حق الاعتصام كما تضمنه قوله: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾(الذاريات:50)

الكاتب: طالب مرحلة التكميل فى الحديث بالجامعة الإسلامية فتية، شيتاغونغ، بنغلاديش.

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn