أمّ المؤمنين عائشة أفقه نساء الأمة
الحافظ محمد جعفر الصادق
لايخفى على من له المام بحياة أم المؤمنين عائشة أن لها مهارة كاملة فى تفسير القران الكريم وفهم الشريعة الإسلامية البيضاء حيث أنها تعتبر مدرسة مستقلة فى علوم التفسير والأحكام الشرعية عاما، وفقه المرأة خاصة، فهى تمتاز بفهم العلل والمقاصد التى أرادها الشارع مما تجرد عنه فقهاء الصحابة، فلها استدراكات فقهية على عدد منهم فى رواياتهم واستنباطاتهم الفقهية، وأيضا تنفرد بأراء فى عدد من المسائل التى تدل على عمقها فى الاستنباط الفقهى، وقد تابعها واقتدى بها فى ذالك زمرة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة البارزين، وقد ألفوا فقهها من أوائل فقه السلف الذى يعتبر أمرا أساسيا بعد القران والسنة فى نظر الفقهاء وأصحاب المذاهب الأربعة، حتى تنافس العلماء والكتاب فى الكتابة عن ترجمتها الشخصية، وخدماتها العلمية، وعبقريتها الفذّة، ومناقبها الجمّة، ومزاياها المتعددة وأرائها الفقهية المتميزة بالعمق فى الفهم والسهولة فى التطبيق.
وأما هذا الاهتمام الكبير فله أسباب عديدة، منها: كونها من الصحابة الأوائل الذين شرّفهم الله تعالي بالاعتناء بالدين وحفظ كتاب الله تعالى، وتعلمه والعمل به، ثم تعليمها الناس وتمييزها عن باقى الصحابة الرواة بتلقى الحديث مباشرة عن النبى ﷺ خصوصا فى المسائل التى تتعلق بالسنن الفعلية وسلوكه ومعاملته فى بيته ومع أهله، وكونها أمينة على سرّ النبى ﷺ فى سائر جهات الحياة، ومتميزة بعمق النظر فى معرفة أسرار الشريعة الإسلامية وحكمها، وكونها من المكثرين فى رواية الحديث بأنها نالت مرتبة رابعة فى كثرة الرواية، فقد روى أنها روت ألفين ومأتين وعشرة أحاديث، وتحتل المرتبة الثانية بعد أبى هريرة باعتبار كثرة الرواية المذكورة فى الكتب التسعة، فعدد مروياته فى الكتب التسعة ثلثة ألاف وثلاث مأة وسبعون حديثا (3370)
ولها فيها ألفان وأحد وثمانون حديثا (2081)، منها مئتان وتسع وتسعون حديثا فى الصحيحين إتفق البخارى ومسلم على إخراج مأة وأربعة وسبعين حديثا، وانفرد البخارى بأربعة وخمسين حديثا(54)، ومسلم بتسعة وستين حديثا (69)، وأما ماسواه من المرويات موزعة بين كتب الصحاح والمسانيد والسنن والمعاجم، وإنّ المكتبات العلميةالمتطورة مليئة بالمؤلفات القديمة والحديثة التى كتبت عن جوانب مشتتة حول حياة أم المؤمنين عائشة .
فأتحدث فى هذا البحث عن خبرتها الفقهية فى الأحكام الشرعية، فقد نقل الدكتور محمد نور الأمين نورى فى كتابه : “منهج أم المؤمنين عائشة فى التفسير والفقه” عن عدد من أهل العلم ما يفيد أن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها، وأنها أفقه نساء الأمّة على الإطلاق، وأن الذين رويت عنهم الفتاوى من الصحابة مأة ونيف وثلاثون نفسا من الذكر والأنثى، والمكثرون منهم سبعة من بينهم السيدة عائشة ، وقد شهد لها جماعة من الصحابة بأنها أعلم الناس بالكتاب والسنة والحلال والحرام وأيام العرب وأشعارهم.
فقد ذكرت نصوص بعضهم فيما يلى مما ينبئ عن تبحرها فى المواد العلمية والفقهية كمايقول أبوموسى الأشعرى : ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث َ قط، فسألنا عنه عائشة إلاَّ وجدناعندها منه علما. ويقول عروة بن الزبير بن العوام- رضي الله عنه-: ما رأيت أحدا أعلم بالقرآن ولا بفريضة، ولا بحرام، ولا بحلال، ولا بفقه، ولا بشعر، ولا بطبّ، ولا بأيام العرب، ولا بنسب من عائشة – رضي الله عنها-. ويقول عطاء بن أبي رباح:كانت عائشة – رضي الله عنها – أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا في العامة. وقال التابعي الجليل أبوسلمة بن عبد الرحمن بن عوف: ما رأيت أحدا أعلم بسنن رسول الله ﷺ ولا أفقه في رأي إن احتيج إليه، ولا أعلم بآية فيما نزلت ولا فريضة من عائشة. ويقول ابن عبد البر: إن عائشة كانت وحيدة عصرها في ثلاثة علوم: علم الفقه وعلم الطبّ وعلم الشعر. أما بدر الدين الزركشي فقد ذكر حوالي أربعين من الخصائص التي لم يشركها أحد من أزواجه فيها.
يسعدنى أن أقدم عددا من المسائل الفقهية التى إنفردت بها مع ذكر إستدراكاتها على بعض الصحابة لقرّاء المجلة- وأما المسائل الفقهية التي لها رأي خاص فيها وتابعها في ذلك بعض أئمة الفقه، فمنها: طهارة سؤر الهرة – استحباب الوضوء من الكلام الخبيث – عدم انتقاض الوضوء بلمس المرأة أو تقبيلها – وجوب الغسل على الرجل والمرأة بالتقاء الختانين ولـو لم يحدث إنزال – المستحاضة تجلس أيام إقرائها (حيضها) ثم تغتسل غسلا واحدا، وتتوضأ لكل صلاة -أن يستمتع الزوج بزوجته الحائض إذا كانت مؤتزرة – يجوز للعبد أن يصلي إماما، وكانت تأتم بعبدها ذكوان – تقرأ في المصحف وهي تصلي – تدعو في صلاة التطوع أثناء قراءة القرآن الكريم – لا ترى بأسا في إتمام الصلاة في السفر وكانت تتم في السفر، وتصوم فيه أيضا – تقتدي بإمام المسجد وهي في حجرتها الملاصقة للمسجد وبابها إليه تؤذن المرأة وتقيم لنفسها إذا أرادت أن تصلي – لا ترى وجوب الغسل يوم الجمعة – لا ترى وجوب سجدة التلاوة، وتقول: حق لله تؤدونه أو تطوع تطوعونه، فما من مسلم يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة أو جمع له كليهما – تكره نقل الميت ليدفن في غير مكان وفاته – تزكي أموال اليتامى وتتاجر فيها – لا ترى وجوب الزكاة في الحلي (برواية) – تقول في الدّين: ليس فيه زكاة، لعله في حال عجز صاحبه عن تحصيله – لا يفطر الصائم إذا قبّل زوجته بشرط ألا يدخل إلى جوفه من ريقها – يجوز للصائم أن يستمتع بزوجته إلا الجماع إذا أمن على نفسه الإنزال أو الجماع، أما إذا كان لا يأمن فيكره له ذالك لانه يفسد الي فساد صومه-تري أن الصدقة علي الفقراء أفضل من الهدي إلي المسجد الحرام-لا تري وقوع الطلاق في انقضاء أربعة أشهر علي المرأة التي الي منها زوجها.تخيير الزوج لايعدّ طلاقا-تنهي المطلقة أن تخرج من بيتها حتي تنقضي عدتها.
ومن استدراكاتها فحياة السيدة عائشة حياة مثالية يجد فيها الباحثون والكتاب والعلماء الأعلام والشخصيات البارزون معلوماتٍ علمية وفيرة، موادا دينية، واتجاهات اسلامية، فعلي الأوساط المثقفة من الأمة المسلمة أن تهتم بدراسة خاصة لحياتها النموذجية الزاخرة بعلوم التفسير ومفاهيم الشريعة الإسلامية والإستنباطات الفقهية، وما إلى ذالك مما مست الحاجة اليه فى مجالات الحياة الإنسانية ، وحل المشاكل التى تعترى المؤمن فى معترك الحياة.
استدركت على عمر بن الخطاب اعتراضه على بكاء أهل الميت عليه محتجا بحديث (إن الميّت يعذب ببكاء أهله عليه…) فقالت: رحم الله عمر والله ما حدّث رسول الله: إن الله يُعذب المؤمن ببكاء أحد، ولكن قال: إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وحسبكم القرآن: (ولا تزر وازرة وزر أخرى.) البخاري.
استدركت على زيد بن أرقم في البيع إلى العطاء: قالت: بئس ما اشتريت وبئس ما اشترى زيد بن أرقم، إنه قد أبطل جهاده مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إلا أن يتوب، فقالت المرأة لعائشة: أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل؟ فقالت: فمن جاءته موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله.
واستدركت على أبي الدرداء عندما خطب فقال «من أدرك الصبح فلا وتر له،» ُ فذ ِ كر ذلك لعائشة رضي الله تعالى عنها فقالت: كذب أبو الدّرداء، كان النبيّ- صلى الله عليه وسلم – يصبح فيوتر.
استدركت على شيبة بن عثمان في بيع ثياب الكعبة: فقد دخل شيبة بن عثمان عليها فقال: يا أم المؤمنين إن ثياب الكعبة تجتمع علينا فتكثر، فنعمد إلى آبار فنحفرها فنعمقها ثم ندفن ثياب الكعبة فيها كيلا يلبسها الجنب والحائض. فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: ما أحسنت وبئس ما صنعت، إن ثياب الكعبة إذا نزعت منها لم يضرها أن يلبسها الجنب والحائض، ولكن بعها واجعل ثمنها في المساكين وفي سبيل الله وابن السبيل.
استدركت على عبد الرحمن بن أبي بكر عدم إسباغ الوضوء: قالت له: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله يقول: «ويل للأعقاب من النار.))
استدركت على فاطمة بنت قيس تعميمها أن لا سكنى للمبتوتة: قالت: إن فاطمة رضي الله تعالى عنها كانت في منـزل وحش فخيف على ناحيتها، فلذلك أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
استدركت على أزواج النبيّ طلبهن ميراثه: قالت لهن قال – رسول الله صلى الله عليه وسلم -: لا نورث ما تركناه صدقة
الكاتب:أستاذ الدراسات الاسلامية والأدب العربي بالجامعة والمدير المساعد لمجلة “بلاغ الشرق”