أهمّية الشورى في الاسلام
عابدالرحمن تعلقدار نظام الشورى الإسلامي مفخرة الإسلام واحد من أعظم إسهامات الديانة الإسلامية في رقي الحضارة الإنسانية. ظهر هذا النظام في حقبة من الزمان طغى فيها الحكومة الإمبراطورية انتهاجا للسلطوية والديكتاتورية على أنظمة الحكم في العالم، سواء في بلاد الفرس أو الروم أو المغرب و الهند والصين و بقية أرجاء المعمور، دليل على عظمة ماجاء به الإسلام و على تفوق الحضارة الإسلامية في أهم مجالات الحياة البشرية
الشورى في الاسلام
هي مصطلح إسلامي استمده بعض الفقهاء وعلماء المسلمين من بعض آيات القرآن الكريم مثل وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (سورة الشورى-آية 38 ) للدلالة على ما اعتبروه مبدأ شرعيامن مبادئ الإسلام المتعلقة بتقليب الآراء، ووجهات النظر في قضية من القضايا، أوموضوع من المواضيع، واختيارها من أصحاب الرأي والخبرة، وأفضل الآراء وصولاً إلى الصواب، من أجل تحقيق أحسن النتائج. وتذكر كتب الحديث والتاريخ الإسلامي مواقف اعتبروها مبدأ الشورى إستنبطوها من استشارة محمد نبي الإسلام لأصحابه رغم أنه معصوم ولا يمكن بأي حال أن نتطرق إلى المؤسسة السياسية الإسلامية دون الحديث عن أهم مميزات هذه المؤسسة؛ فالإسلام قد جاء بمبدأ إنساني كغاية في العظمةوالروعة، وهو مبدأ الشورى، بل سُميت سورة من سور القرآن الكريم باسم (سورة الشورى)؛ دلالة على أهمية تحقق هذا الشرط في أي شأن من شؤون المسلمين ، وعلى الرغم من اختلاف الفقهاء حول آليات تنفيذ هذا المبدأمن ناحية الاختيار أو الوجوب والإلزام، لكنهم مُجْمِعُون على ضرورة تَحَقُّقها بين المسلمين كمصداق لقوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْمِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِفَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
الشورى في اللغة
الشورىمصدر من شار العسل : استخرجه من الخلية، واشتار الفحل الناقة: كرفها فنظر إليها هى لاقح أم لا، كرف الفحل الناقة وشافها واستشارها بمعنى واحد كما في لسان العرب هو أخذ آراء الآخرين في موضوع ما لتحقيق مصلحة معينة لفرد واحد أو مجموع من الأفراد، وأيضا هي استخراج الرأي الأنسب بتداول الآراء حول مسألة ما. ومن مجموع ما تقدم يتبين أن الشورى عملية يحدث فيها استخراج الآراءالمتعددة في الأمر المعروض ممن يحسنون ذلك، وتقليبها وفحصها والموازنة بينها، واختبارها لاختيار أنفعها وأصلحها، والدلالة عليها، قال البدر العيني: “وحاصل معنى شاورته عرضت عليه أمري حتى يدلني على صوابه
مفهوم الشورى
تُعرَّف الشورى بأنها طلب الرأي ممن هو أهله، أو هي استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الأمور العامةالمتعلقة بها، فقد اتخذ المسلمون الشورى أصلاً وقاعدة من أصول الحكم وقواعده، وعليها قام ترشيح العدول من المسلمين لمن يرونه أهلاً للقوَّة والإمامةلتولِّي أمرهم؛ ومما يؤكِّد ذلك ويؤصِّله أن الرسول^ لم يترك نصًّا مكتوبًا ولم يستخلف أحدًا ليتولَّى إمامة المسلمين، وإنما ترك الأمرشورى بينهم، وقد روى أبو وائل قال: قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : ألا تستخلف علينا؟ قال: “ما استخلف رسول الله^ فأستخلف، ولكن إن يُرِدِ اللهُ بالناس خيرًا فسيجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم
أهمية الشورى
تعتبر الشورى أصلاً من أصول النظام السياسي الإسلامي، بل امتدَّت لتشمل كل أمور المسلمين؛ وتأسيسًا على ذلك فإن الدولة الإسلامية تكون قد سبقت النظم الديمقراطية الحديثة في ضرورة موافقة الجماعة على اختيار مَنْ يقوم بولاية أمورها ورعاية مصالحها وتدبير شئونها؛ ممَّا يؤكِّد قيمة الإجماع عند المسلمين
أهل الشورى
يختلف تحديد أهل الشورىباختلاف المجال ، فأمورالدين يستشار فيها العلماء، وأمور الخطط الحربية يستشار بها قادةالجيوش، وهكذا.
أهل الحل والعقد
من هُمْ أهل الشورى؟ أوأهل الاختيار؟ أو كما قال عنهم فقهاء المسلمين ومؤرخوهم: أهل الحل والعقد.
هناك اتفاق بأن الشورى في الإسلام منوطة بفئة من المسلمين يُطلق عليهم أهل الشورى (الحلِّ والعقد)، وقدتحدَّث الفقهاء عن ضرورة توافر بعض الشروط فيهم؛ وهي:العدالة، والعلم، والرأي، والحكمة. ومن ثَمَّ يمكن إجمالهم في “العلماءوالرؤساءووجوه النَّاس الَّذين يتيسَّر اجتماعهم”، لذلككانت الشورى من الأمور الضرورية التي يفرضهاالإسلام على ولاة الأمور، ويمكن القول: إنها من أهم المظاهر الحضارية التي أسهم المسلمون في إيجادها وإرسائها في المجتمع الإسلامي، وتأثر بهاالآخرون، خاصة في أوروبا منذ القرن الثالث عشر الميلادي، ولذلك كانت الشورى نوعًامن التعبير عن الإرادة الإلهية؛ استنادًا إلى مايقوله الرسول^: “لاَ تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَلاَلَةٍ”، ونلاحظ أن الخليفة في الإسلام لا يمكن أن يُعطي لنفسه حق التعبير عن الإرادة الإلهية، أي أنه لا يملك أن يُصدر تشريعًا؛ لأن سلطة التشريع تجوزلجماعة المسلمين أو مجموع الأمة، فيحالة غياب نصٍّ صريح قطعي الدلالة منالقرآنوالسنة
بين الديمقراطية والشورى
يعتبر أغلب علماء المسلمين أن هناك اختلافا بين الديمقراطية والشورى، فالديمقراطيةتستند على مبدأ أن الشعب هو صاحب السيادةومصدر الشرعية، فالسلطة في النظام الديمقراطي هي للشعب، وبواسطة الشعب تتحقق سيادته ومصالحه ولوخالفت الشريعة الإسلامية. أما ما يفرق بين الشورى والديمقراطية فهو مصدر السيادة في التشريع، فالديمقراطية تجعل السيادة في التشريع للشعب، أما الشورى فتجعل السيادة للشريعة الإسلامية ولوخالفت الأغلبية.
إلاّ أن العديد من المثقفين والباحثين والمفكرين الإسلاميين في العصر الحديث يرون أن الشورى هي الديمقراطية بنفسها.
والقول الأول هو الحق والقول الثاني فيه شيء من الشك لأن الديمقراطية تجعل السيادة للشعب وله الحق في الحكم بما يريد، وهذا بخلاف الشورى فالشورى نظام إسلامي والإسلام أمر بالحكم بما شرعه كما ذكر كثير من الأيات القرانية فى ذلك.
الفرق بين الشورى والديمقراطية
نظام الشورى الإسلامي يختلف كثيرًا من النظم الديمقراطية الوضعية، فالديمقراطية التي تعتبر حكم الشعب للشعب، ينتج عنها أن الشعب هو الذي يضع دستوره وقوانينه، وهوالسلطة القضائية التي تحكم بين الناس بتطبيق القوانين الموضوعة، حتى يتمكن الشعب من مباشرة سلطة التشريع، ووضع القوانين، والفصل بين السلطات، يتم اللجوء إلى إجراء انتخابات عامة، والتي ينتج عنها اختيار مجموع منالأفراد، يكونون قادرين على مراقبة سائر السلطات، فمن حق هذه الهيئة المنتخبة عزل الوزراء، ومحاسبة المسئولين وعلى رأسهم رئيس الدولة، ومع وجاهة هذا الأمر إلا أن نظام الشورى الإسلامي يختلف عن هذا التصور؛ فالشورى في الإسلام تقوم على حقيقةٍ، مفادها أن الحكم هو حكم الله المنزَّل بواسطة الوحي على رسول الله^، الذي يُعدُّ الالتزامُ به أساس الإيمان، والعلماء هم أهل الحلِّ والعقد، وهم علىرأس رجال الشورى، وليس للعلماء مع حكم الله في إطار الشورى إلا الاجتهاد في ثبوت النصِّ، ودقَّة الفهم، ورسم الخطط المنهجية للتطبيق، والحقُّ أن النظام الديمقراطي يَسْهُل التحايل عليه، من خلال سيطرة بعض الأحزاب أو القوى على العملا لسياسي في دولة من الدول، ومن ثَم يفرض هذا الحزب، أو تلك الفئة وجهة نظرها علىالأمة، لكن الشورى تجعل الهيمنة لله وحده، فتُعْلِي حُكْمه وتشريعه على سائرالأحكام والتشريعات، فتؤدِّي إلى ظهور رجال يعيشون في معية الله، ويخشونه بصدق
متى تطلب الشورى؟
عندما يُشْكِل الأمر في قضية ما، أو عندما تتعدد الحلول لمشكلة ما، وعندما لا يكون المرء قادراً على اتخاذ القرار السليم في تلك الأوضاع المتقدمة، أو عندما يريد التأكد من صواب القرار الذي يريد أن يأخذه، أو يريد التوصل إلى الأيسر والأنسب من الحلول الصالحة المتعددة، أو عندما يكون الأمر ليس خاصاً بفرد، بل يعم مجموع من الناس أو الجماعة المسلمة كلها، فإنه يلجأ -في هذه الحالة – إلى من يعتقد أن لديه القدرة على القيام بذلك مع الأمانة والصدق فيما يشير به، ويطلب منه أن يعاونه برأيه في تلك المسائل، وقد يطلب ذلك من فرد أو جماعة، إما على انفراد وإما على اجتماع، وقد يكرر الاستشارة في الأمر الواحد إذا لم يتضح له وجه الصواب، وقد يكتفي بإشارة أول من يشير عليه إذا بان له صواب رأي المشير وصلاحه.
الشورى في حياة الفرد:
فمن ما حفظناه في تراثنا: “ما خابَ مَن استخار، ومانَدِم مَن استشار”؛ فالمسلم إذا أَقبل على أمرٍ من الأمور، وكان مترددًا بينأن يُقدِم أو أن يُحجِم، فعليه أن يستخير الخالق بصلاة الاستخارة المعروفة، وأن يستشير الخلق ممن يثق بهم.
وقد استشارتْه فاطمة بنت قيس في أمر زواجها، وقدطلبها رجلان: (معاوية، وأبوجهم)؛ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((أماأبو جهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية، فصعلوكٌ لا مال له))، وأشار عليهابأن تتزوَّج من أسامة بن زيد
الشورى في حياة الأسرة
فالحياة الأسرية لا بد أن تقوم على أساس من التشاوروالتراضي منذ بداية تكوينها؛ ولهذا يرفض الشرع أن يستبدَّ الأب بتزويج ابنته دون أن يأخذ برأيها، بل إن السنة رغَّبت في أن يستشير الأب زوجتَه في أمر زواج البنات؛لأنها أقرب منه إليهن، فقد ورد في الحديث الذي رواه أحمد: ((آمروا النساء في بناتهن))، وحتى بعد بناء الأسرة ينبغي أن يستمر التفاهم والتشاور بين الزوجين، وكممن امرأة كان رأيها خيرًا وبركة على أهلها، وقد سطَّر لنا التاريخ بأحرُف من نورمواقف أم المؤمنين خديجة – رضي الله عنها – في أول ساعات الوحي، وكم كان دورهاعظيمًا في تثبيت قلب المصطفى ^.
حتى لو قدِّر للزوجين أن ينفصلا لا بدَّ من أن يستمرالتشاور فيما يتعلق برضاع الأولاد وفطامهم: ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾
الشورى في حياة الدولة
فالشورى أصل هام في نظام الحكم، أما شكل الشورى والوسيلة التي تتحقق بها، فهذه أمور جديرة بالاصلاح والتطوير وَفْق أوضاع الأمةوملابسات الحياة.
- وقد شاور النبيُّ -صلى الله عليه وسلم – أصحابَه في بدر قبل القتال، وفي أثنائه وبعده، ولم يدخل المعركة إلا بعد أن اطمأن قلبه بظهور رضى جميعهم
- وشاورهم في الخندق، وأخذ برأي الأنصار في عدم مصالحة غطفان على شيء من ثمار المدينة.
- وفي الحُدَيبية شاور أمَّ سلمة – رضي الله عنها -حينما امتنع الصحابة عن التحلُّل من إحرامهم، بعد أن عزَّ عليهم ألا يكملوا عمرتهم، فأشارتْ عليه أن يخرج إليهم، ويتحلَّل من إحرامه أمامهم دون أن يتكلم،فلما فعل ذلك اقتدوا به جميعًا – صلى الله عليه وسلم
- وفي أُحُد استشار النبي – صلى الله عليه وسلم -أصحابَه أيمكث في المدينة، أم يخرج لملاقاة العدو؟ وكان قلبه الموصول بالله يرىأنه من الأفضل أن يتحصَّن بالمدينة فلا يخرج منها، ولكن جماعة كبيرة من الصحابة -ومعظمهم من الشبان ممن فاتهم يومُ بدر – قد أشاروا عليه بالخروج، فنزل – صلى اللهعليه وسلم – عن رأيه، وأخذ بالرأي السائد، ودخل بيت عائشة – رضي الله عنها -ولَبِس لأْمَتَه واستعدَّ للخروج
الأقلية والأكثرية في الشورى
لاعبرة للأقلية والأكثرية فيها، وإنما العبرة بأصالة الرأي، ولو كان المشير واحدا: ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقصر الشورى على أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- لقوة رأييهما.
وكما استشار السعدين دون غيرهما في ثمار المدينة. وأبو بكر- رضي الله عنه- كان يقصر الشورى على عمر أحيانا. وعمر- رضي الله عنه- كان يستشير عليا أو ابن عباس- رضي الله عنهم- دون أن يوسع دائرة الشورى.
وأحيانا تكون الأكثرية معتبرة -مع عدم إغفال نوعية المستشارين- وذلك يرجع لعدة أمور، كأن يكون الأمر من الأهمية بما لا يكفي فيه رأي الفرد والفردين والثلاثة.
وأحيانا يكون ذلك لمراعاة حال المستشارين، كتأليف قلوبهم، ونحو ذلك من الاعتبارات الشرعية المطلوبة وكان صلى الله عليه وسلم يستشير الأنصار فقط، وأحيانا المهاجرين، وقد يستشير المهاجرين والأنصار، لمقاصد شرعية يعلمها صلى الله عليه وسلم. وكان أبو بكر يستشير كبار الصحابة، وقد يحصر هذا في عدة أفراد، وأحيانا يوسع ذلك لتشمل عددا كبيرا منهم، كما في حروب الردة وغيرها.
و عمر قد يقصر الشورى على أهل بدر، وقد يتوسع في ذلك لتشمل المهاجرين والأنصار وغيرهم. ونجد مثل ذلك في سيرة عثمان وعلي- رضي الله عنهم أجمعين-. وعلى كل الأحوال فليست العبرة بالقلة والكثرة فقط، وإنما العبرة- أيضا- بالكيفية، فسواء قل العدد أو كثر في ضوء الاعتبارات التي أشرت إليها سابقا، فإن توافرت الصفات المطلوبة في المستشار هي الأساس، بحيث تتوافر هذه الصفات في آحادهم أو في مجموعهم كما سبق، والمستشير يجب أن يعنى بهذه المسألة عناية خاصة، ولا ينخدع بكثرة الناس وجمهورهم، فالله- جل وعلا- يقول: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)وأسأل الله -جل وعلا- أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، فما أحوجنا إلى الالتزام بالكتاب والسنة، ومنهج سلف هذه الأمة، حقيقة لا ادعاء، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
الكاتب: الباحث في الدكتوراه بجامعة شيتاغونغ.