أزمة جماعة الدعوة والتبليغ: الإطاعة لمن وفيما؟
محمد زاهدصفا
لا يخفٰى على أحد أن جماعة الدعوة والتبليغ فرقة دينيَّة خالصة مقبولة لدى الخالق والخلق ولم تزلْ تسير عبر زمن طويل. وقدأسست على تقوى اللّٰه والتضحيةِ بالنفس والحنان تُجاه الأمة إعلاءً للدين وإحياءً للاسلام، وقد حصل بها ألوف من الخلق علٰى معرفة خالقهم.وعثَربها كثير من العباد على نورالحق حتّٰى خرجوا من الضلالة إلى الهداية و من جور الأديان إلى عدل الإسلام، لكن من الأسف الشديد أنه قد حدثت فيها تفرقة هائلة في هٰذه الأيام بناءً على غواية الشخص المشخوص الفكريَّة وانحرافاته الذاتية الذي يزعم نفسه أميرا عالميًّا من دون أي تامير ومشاورة إضافةً إلى ذلك بعض الجاهلين البُلْه أو المتصيدين للمصالح الشخصية يحابونه ويتحيزون إليه فهم يبذلون قُصارى جهودهم في تجويز هذه الدعوى المزعومة وتبليغ رائهم المسموم، ومن أعظم ما صنعوا أنهم اختاروا في هذا مصطلحا معروفا للشريعة ولاذوا إليه وهي الإطاعة حتي يعرفون أنفسهم بالفرقة الإطاعتية، الحال أنهم أبعد أميالاً من مرام الإطاعة فضلا أن يكونوا إطاعتية، فعلينا أن نعلم أحكامها بأسرها.
الإطاعة هي لغةً الانقياد وفي الاصطلاح الامتثال لأوامر أحد والاجتناب عن نواهيه.
درجات الإطاعة:
الاطاعة لها درجات في الاسلام. الأولي- الاطاعة المطلقة في كل حال من غير قيد وشرط وهي للّٰه -جلّ وعلا- الذي خلق الأكوان وما فيها بحكمه ويدبر السماء والارض بقدرته، وهذاالقدر منها هو الأساس الاول للناس لنظام الحياة الاسلامي
والثانية – إطاعة الرسول عليه السلام على الإطلاق الذي اصطفاه اللّٰه تعالٰى لتقديم معرفته على العباد وتبليغ أحكامه إليهم وهو واسطة بين الرحمن وعباده وذلك لأن الإطاعة لله لا تتم الا بإطاعته فإنه لا يامر ولا ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يُوحٰى فاطاعته هو إطاعة اللّٰه بنفسها حيث قال الله تعالى “من يطع الرسول فقد أطاع الله “(النساء 80) وهذاالقدر منها الأساس الثاني لنظام الحياة الاسلامي
إطاعة اولي الأمرمشروطة :
الثالثة – الإطاعة المشروطة وهي إطاعة أولي الامرمن العلماء والأمراء بشرط المعروف مالم يخالف كتاب الله وسنة رسوله. كما قال الله تعالى “يا أيها الذين آمنوا أطيعواالله وأطيعواالرسول وأولي الامر منكم “(النساء 59) أشار اللّٰه – جل وعلا – في الآية إلى أن إطاعة أولي الامر ليست على الإطلاق بل هي تبع لهما كما شرط كونه ‘منكم ‘أي من المسلمين حيث لم يكرر صيغة أطيعوا في بدايته كما كرر في بداية’ الرسول’يعني أنْ تجب إطاعة أولي الامر مالم يخالف أمرهما فلا يطاع في المعصية والمنكر كما قال عليه السلام ‘لاطاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ‘ ( أخرج الصحيحان عن علي رضي الله عنه ) ثم حكم إطاعته مشروطة بعدم التنازع فإن وقع التنازع فالحكم حينئذ الرجوع إلى الكتاب والسنة لا الثبات عليها
من هم اولو الأمر:
ففيه أقوال للعلماء: 1 عن جابر- رضي الله عنه – هم اهل القرآن والعلم أي العلماء 2 كذا عن ابن عباس: هم اهل الفقه والدين 3قال ابن كيسان هم اهل العقل والراي 4قال الامام النووي وابن تيمية وكذا جمهور العلماء المفسرين هم العلماء والأمراء 5 قال الامام الرازي حمله على العلماء أولى لأن أعمال الأمراء موقوفة على فتاوى العلماء فهم أمراء الأمراء 6 قيل هم اهل الحل والعقد من العلماء والأمراء والحكام ورؤساء الجند والزعماء الذين يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح ومن الجدير بالذكر أن أولو جمع ذو فيستنبط منه أن أولو الامر الذين أمر الله المسلمين بطاعتهم هم جمهور العلماء أو الأمراء ليس فردا بعينه
غباوة الإطاعتيين:
فعلى كل حال علمْنا مما ذُكر أن أولي الأمر هم العلماء إما خصوصا أو عموما لا الفرد بعينه لكن من الموسف والمعجب معا أنا نرى الذين تقمّصوا فرقة إطاعتية يتهمون غيرهم خصوصا العلماء وأحبابهم بالخروج عن الطاعة كأنه هو ولي الأمر الوحيد من اللّٰه أوجب طاعته على العالم كله ويستدلون بالآية والحديث “من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني “والحال أن دعواهم مردودة أصلا ومخالفة للنصوص تماما. أولا بحيث أنه أُمِرفي الآية والحديث بإطاعة أولي الأمر والأمير والشخص المزعوم لم يتحقق فيه الولاية لأن مصداق أولي الأمر هم جمهور العلماء حقاوفْق تصريح المفسرين لاسيما في هذه المشكلة الدينية ولا هو أميرا لأن الأمير إنما يكون بتأمير الشورى ورضا أهل الراى وثانيا وبعد تسليمه أميرا لايُطاع أيضا كماهو مقتضى الحديث لغوايته الفكرية وانحرافه عن مسلك جمهورالسلف والخلف من أهل السنة وثالثا وإن غض النظر عن هذا فالحكم في مثل هذه الأوضاع هو عرض المشكلة على الكتاب والسنة وطلب الحل منهما يقول الله تبارك وتعالى “وإن تنازعْتم في شيئ فرُدُّوه إلى اللّٰه والرَّسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذٰلك خيرٌ وأحسَن تاويلا (النساء 59) وقال أيضا ” فلا وربك لا يُؤمِنون حتى يحَكِّموك فيما شَجَر بينهم (النساء 65) وقد ربط اللّٰه تعالى في الآية الإيمان باللّٰه بالرجوع إليهما عند التنازع
الاختتام
أخيرًا أضطر الى أن أقول إن هذه المشكلة عظيمة خطيرة للملة والدين يجب علينا أن نسعٰى لحلها وننصح الأمة والذين فيها بما في وُسعنا. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
الكاتب: طالب الصف الثاني من المرحلة العالمية
بالجامعة الإسلامية فتية، شيتاغونغ، بنغلاديش.