من الواجب أن تكون أمنية المسلمين المنشودة هي الفردوس الأعلى
الحافظ محمد محسن أمين
حمداً لله الذي خلق سبع سموات، ومن الأرض مثلهن بأبدع أنماط، وجعل فيها من الحيوانات، والنباتات، والجمادات، وفضَّل بني آدم بالعلم والعقل والتمييز على الآخرين، حتى الملائكة المقرّبين، وصلوةً وسلاماً على معلّم البشرية الذي منَّ الله _سبحانه وتعالى_به على العالَمين على وجه عام، ببعثته وإرساله بالهدى ودين الحق، وعلى الإنسانية المحتضرة على وجه خاص؛حيث أخذ بأيديهم، وأنقذهم، وهم على وشك التهالك والانتحار، والتردي في حضيض الانهيار دينياً وأخلاقيا واجتماعيا وسياسيا، من فتك الأميَّة الحالكة بأن أخرجهم من الظلام إلى النور، ومن الغواية إلى الهداية، وعلى آله وصحابته الغرّ الميامين، ومن تبعهم، واستنّ بسنتهم، واقتفى أثرهم بإيمان وإحسان إلى يوم الدين.
دعوات،وصياحاتُ التنعُّم والانغماس في الترف، والملذّات بدْل التضحية والتنافس في الخيرات.
إن الجوَّ الذي نعيش فيه مفعمٌ بدعوات تلبيسية، وصيحات لذيذة خادعة؛ يستهدف بها انحراف شباب المسلمين بالشهوات والشبهات، وبشتى الدسائس الخطيرة للغاية التي تتلخص في المذكور أدناه:
*وسائل الإعلام:
إن أخطر وأخبث ما يستخدم كيان الصهيونية وأتباعها وعُملاؤها على نحوٍ جماعيٍ للنيل من الإسلام وأمّته شرقا وغربا_ هي وسائل الإعلام، كما هو غير مكتوم لدى كلّ من له يسيرٌ من الإلمام والمعرفة بهذا السياق؛ حيث لا يوجد طرق ولا مجال إلا يتّبع، ويعالج فيها لتحقيق غاياتهم في تشويه صورة الشريعة السمحة، والتشنيع على صاحبها و من يتديَّن بها بكل ما لديهم من الإمكانيات والممتلكات لما اتضح عندهم وضوح الشمس في رابعة النهار أن هذا الدين هو الدين الوحيد الذي ارتضاه ربّ الأديان لكافة البشرية، وما عدا ذلك فقد مضى عصره، وطوي بساطه بالبعثة المحمدية _على صاحبها ألف ألف تحية_ إضافة إلى الأمواج والتيارات التي لم تزل في التصاعد بأن يدخل الناس في دين الله (دين الفطرة والطبيعة التي فطر الناس عليه) أفواجا_ على أوسع نطاق، طوال هذه البسيطة وأرجائها،حتى أصبح يعدُّ من الشاكل الدولية، ويعبّرون عن هذه المشكلة ب ( (Convert Problem.فلأجل ذلك هم في قلق عظيم دائم واضطراب متواصل، جعل واضطرّهم إلى المكيدة والمؤامرات ضد القوة والأمة النامية بسرعة رهيبة، وقد صدق الرسول عليه السلام_ كما روي عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)). رواه أبو داود، والبيهقي في ((دلائل النبوة)). [5369]
* النساء والفتيات الجميلات السافرات، ولباسهن وسلوكهن بما يثير الجنسية:
لم يؤثرْ عبر التاريخ عن أيّ مذهب أو قانون أو فلسفة_ أنه يحترم المرأة كما قام باحترامها الإسلام، وللحفاظ على كيانها وحرمتها،وصيانتها عن الابتذال أمر الإسلام بالاستقرار في البيوت، وعدم التبرّج كالجاهلية التي حطم فيها حقوق المرأة بما لا يوصف، بل تعتبر كمُتْعة بسيطة، يستعملها الرجال متى وكيف شاءوا؛ ومنعهن عن الإبداء بزينتهن إلا ما ظهر منها من الكفّين والرجلين عند ما دعتْ الضرورة،كما أوصى النبي _عليه السلام_ بحسن التعامل معهنّ بقوله المبين: (استوصوا بالنساء خيراً) (النساء شقائق الرجال) (خيركم خيركم لأهله) وغير ذلك( السيرة النبوية – راغب السرجاني الشاملة آليا) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ زَائِدَةَ عَنْ مَيْسَرَةَ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا- فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلْعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) البداية والنهاية ط الفكر (1/ 74)
على النقيض من ذلك قام أعداء الإسلام، ونهضوا بصوت حرّية المرأة، وأطلقوا عنانهن، واتخذوا كل طريق ممكن لإخراج النساء من بيوتهن من خلال هتافات متكررة أنهن مهضومات الحق، ومسلوبات الحرية أو ما أشبه ذلك من الخديعة .
ولكن للأسف الشديد أن بعض المسلمين صاروا ضحايا هذا الدهاء، فأعجبوا به كل الأعجاب، وأخذوا يمسون صلاح الإسلام، ولم يتوجهوا إلى قول الله _ تعالى وتقدس_ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } [النور 30 – 31].
* إبراز التقدّم والازدهار المادّي كهدف منشود لحياة الإنسان، وإظهار نجوم الأفلام والسياسة الماجنة، أو الرياضة أو أهل الثروات والممتلكات الهائلة بدل نجوم العلم و الدين والدعوة والجهاد:
إن أبشع ما يستخدم حاقدة الإسلام أنهم يُبرزون أشخاصا نجحوا في الرياضة أو الأفلام، أو لعبوا دورا بارزا في اقتناء حطام الدنيا من أكبر مبلغ من المال والثروات والمصانع والقصور المرتفعة ذات الطوابق المتعددة،ويلقّبونهم بألقاب فاخرة مثل:(شخصية هامّةللغاية)( (V.I.P (النجم الأمثل) Super Star)) وما يتصل ذلك،ويظهرون أن الحكومة ورؤساء الدول يستقبلون البارزين لهذه الحقول ببالغ التقدير والحفاوة، ويمجدّونهم، وتُسخِّر الحكومة سياراتها وطياراتها لحمل نجوم الأفلام والرياضة؛ فإذا تنبتُ داعية في قلوب الناشئة،وتأخذ تنموْ، وتنشعب، فتصبح شجرة ذات أغصان، أصلها ثابت وفرعها في السماء؛ فالآن هم لايعرفون شيئا إلا التنافس فيما يرغبون، ويعيشون على هذه الأحلام الكاذبة والأماني اللاهية،ويصرفون جُلّ أو كلّ اهتمامهم في الاستزادة منها، ليس لهم أيّ صلة بالدين ومباديه، بل ينالون من كل ما يحول دون رغباتهم وطموحاتهم، فينقلبون مرتدين عن دين الله الحنيف (العياذ بالله) وهم لا يعرفون.
* السخرية والاستهزاء بأهل الديانة، والطعن عليهم بالتخلّف والتراجع والتعصب للدين:
لا عجب ولا غرابة في أن الكتلة غير المسلمة الذين في قلوبهم نار الحقد والعداوة، وكادوا يتميزون من الغيظ_ يسلكون طريق الزيغ والاعوجاج من خلال السخرية والتشنيع لإخماد ما يتلظى في نفوسهم، ولكن ما بال بعض من ينتمي إلى الإسلام؟ فهم إما يعلنون هذا ويسرّون خلافه، أو الفئة القليلة الشاذة يعملون كعملاء بثمن بخس دراهم معدودة، فباعوا الدين بالدنيا، وما ربحت تجارتهم .وللاجتناب عن هذه الإصابات المتنوعة يختار عصابة، ما وقر وتغلغل في قلوبهم الإيمان، الابتعاد عن الدين، والسلوك على نهجهم _ هداهم الله وأصلح بالهم_
*وما راج وشاع في عالَمنا الحاضر من الأقوال الشهية والأصوات المعسولة من المجاراة والمساراة والتجاوب مع الزمن والبيئة_
لانرى إلا كلمة حق أريد بها الباطل،وإبعاد المسلمين عن ثقافتهم وحضارتهم وتراثهم الثريّ الذي صبغهم الله به،كما قال تبارك_: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ( البقرة 138) وذلك أن دين الإسلام بصفة كونه نظاما كاملا وشاملا ، وأن الشريعة المحمدية هي صالحة تماما لكل عصر ومصر، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها_ يتجاوب مع كل زمن في معالجة قضايا البشرية والمسائل القديمة والمعاصرة بأسرها؛ لأن الله تعالى_ أكمل للإنسان دينهم، وأتمّ عليهم نعمته ورضي لهم الإسلام دينا.مع ذلك كله لا معنى لنداء التغير والتقدم والتجدد والتحدث في أمور الدين إلا اختلاع حبل الدين عن غواربهم، نعم، هذا التغير والتجدد مع ما فيه من الاكتشافات والاختراعات المتجددة أمر في غاية الاهتمام، بل هو مطلوب لتحقيق تسهيلات العيش وتنفيذ أحكام الدين بارتياح وطمانينة. ولله در الإمام مالك _رحمه الله تعالى_ حيث قال: لن يصلح آخر هذه الامة إلا ما صلح به أولها.فلنراجع النظر إلى الإسلام وما فيه من عز ومجد ومفخرة تمكن وتربع عليها أسلافنا المؤمنون حقا،ولتكن أمنيتنا هي الفردوس الاعلى،ولنقل: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة؛ لأن هذه الدنيا مزرعة الآخرة, ودار ممرّ لا دار مقرّ. وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين.
الكاتب: أستاذ اللغة العربية والأدب بالجامعة الإسلامية، فتية،شيتاغونغ: