علينا أن نقرأ تاريخ سلفنا وتراجمهم لبقاء معرفتنا

علينا أن نقرأ تاريخ سلفنا وتراجمهم لبقاء معرفتنا

امير الصديق

من الحقيقة الناصعة أن كل إنسان له حلم من أحلام وهدف من أهداف في الحياة، ويتقدم بتدريج إلي ذالك، ويريد أن يستمر الحصول علي قطع من الفلاح و النجاح إلي المستقبل حتي يبلغ إلي قمة هدفه يوما. ولا يُوجد أحد أنه لا يريد أن يفوز فوزا عظيما حسب الطاقة في مرامه. لأن الفلاح هو من أمس ما تتمني طبيعة الإنسان و عقولهم.

ولا يخفي علي أحد أن كلا من الأحلام و الأهداف لا يتحقق إلا بثلاثة أمور يحتاج إليها علي الأقل، منها الأول : تحديد الهدف، والثانى : أن يبذل له جهد جهيد، و الثالث : أن يسلك مسلك السلف الناجحين. وأيضا مما لاشك فيه أن كل حلم و هدف يتحقق إذ يسعي له سعيا حثيثا و تكتمل إن سلك الحالم في سلوك السلف الفائزين.

فعلي كل واحد أن يعرف أولا سير كبار اسلافهم و أحوالهم حق المعرفة، ليسلك مسلكهم جيدا، وأما إذا وجدت الشروط الثلاثة فيمكن للحالمين أنهم يرون أن أحلامهم تكتمل مشرقة و مضيئة.

و في الوقت الراهن يُري أن أجيال الأمة لا يدرسون التاريخ و تراجم السلف السابقين الناجحين، بل أنهم لا يكادون أن يرغبوا و يتوجهوا إلي ذالك فضلا عن أن يقرءوه. ونحن أيضا طلبة مدارسنا الأهلية الحالية لا نقرأ كتب التاريخ و سير سلفنا العلماء، خاصة سيرة الرسول- صلي الله عليه و سلم- و تراجم أصحابه رضوان الله عليهم اجمعين، ولو ندرس شيئا دراسيا، وها هو أقل جدا، ولا يكفينا هذا أبدا. ولهذا لا نعرف كبار سلفنا العلماء الذين بذلوا حياتهم كلها في إرسال العلوم و الدين إلي الناس، حتي وجدناهما لجهودهم المتواصلة و محنهم الشديدة. و إن جرت الغفلة و الاعراض عنها مستمرة هكذا، فلا يبعد أن يوما يأتينا ننسي فيه من نحن كنا؟ و ما التعارف لنا؟ ومن هم سلفنا؟ و نحن لمن خلفهم؟ فحينئذ كيف يمكن لنا أن نبقي العرفان لنا فضلا عن أن نأخذ البقاء

  و نحن نرى أن كثيرا من جيلنا الحديث أحزانهم المتنوعة تتكثر وتشتد يوما فيوما، و الهموم المختلفة تصيبهم بوجوه شتي، و لأجل ذالك أخذ عدد منهم يفكرون لماذا حصلوا علي الكتابة و الدراسة في مدارسنا الأهلية مما لا فائدة له، فيشتغلون بأمور خارجية غافلين عن الدراسة و الكتابة، حتي تركوها بعضهم وماصبروا علي هذا، بل أضافوا قائلين لهذا : ‘ماذا نفعل بعد أن نتعلم في المدارس الأهلية؟ و ماذا نستطيع أن نفعل بها؟ و ما نري شيئا في المستقبل دون ظلمة لها، هل لها قيمة عند الناس في المجتمع؟’ وهذه نتيجة من الغفلة والجهالة عن أحوال الكبار.

 ولما بدأت الأحوال تشكل محزونة ومرعوبة هكذا ، ولا نعلم كيفما تنتظر لنا العاقبة؟ فيجب علينا أن ندرس التاريخ ونبحث فيها. ها هو من أهم ما يقتضيه الزمان و الأحوال.

يا للعجب! نحن نتمني أن نكون كبارا مثلهم علما، وعملا، وورعا، وجودا و اخلاقا و الحال أننا لا نعرفهم حقا ولا نعلم من سيرهم شيئا. فهل نتمكن أن نكون كبارا مثلهم دون معرفتهم؟

فإذا تبينت عنهم أهمية المعرفة، فأريد أن أذكر عددا مهما من فوائدها العدائد.

منها الإطلاع : على مناقبهم وشيمهم ونباهتهم وجلالتهم ؛ لنتأدب بآدابهم و نتخلق بأخلاقهم و علي أقوالهم و أفعالهم و أفكارهم و حكمهم لنحمل منها في نفوسنا و نحققها في حياتنا، وعلي آثارهم و مؤلفاتهم لنقتدي بسيرهم، و على حكاياتهم وفيوضهم، لنهتدي بهديهم. و لما نطلع علي جوانب حياتهم هذه فأخذت النفوس تحبهم من صميمها، وتريد أن نسلك في سلوكهم، فنحشر في زمرتهم كما جاء فى الحديث ‘المرء مع من أحب’

و منها الالتزام بصحبتهم : إذا اطلعنا علي هذا المقدار الكثير من جوانب حياتهم، فكأننا نشاهدهم، ولو لم نباشرهم بالأعيان والأبدان. كأننا في عصرهم، و كنا نعيش فى ذالك الدهر. وهذا يعيننا في أمور شتي.

ومنها الاشتياق إلي الخيرات و الفرحة فيها :  إذ نطلع بذلك علي بذل جهودهم وحمل مصائبهم، وضحية أمانيهم ووضع عطاياهم في ساحة العلم و الدين، وبدأت تحدث في قلوبنا رغبة رائعة، وحينئذ تجد راحة مريحة، وتفرح فرحا عظيما. وتشكر شكرا جزيلا، ليصونها الرحمن عن تحمل المشاكل والمصاعب مثلهم.

ومنها علو الهمة و ثبات القلب : لأنه تجتمع عندنا خلاصة تجاربهم عندإذ، وعصارة أفكارهم، ومجموعة عجائبهم لا يمكن لنا أن نحصل علي هذه ولو بذلنا حياتنا كلها، وتقوي بها قلوبنا علما وهمة و فكرة، كما في التنزيل ‘وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبِّت به فؤادك،’ ويتسهل بها أن نتقدم إلي مراحل الحياة الصعبة بالفلاح و النجاح، لأن افراد القوم الذين يعرفون تاريخهم جيدا، ويتدرسون ذالك جدا، و يعملون بما يعلمون، فيفوزون فوزا عظيما.

ومنها صفاء القلب و صلاحه : أما صحبة المشتغلين بالفقه وسماع الحديث فقط، لاتكفى فى صفاء واصلاح قلوبنا، إلا أن يمزج النظر في سيرهم، والفكر فيها، لأنهم تتناولون مقاصد النقل ويخرجون عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها.

و أيضا أذكر بعضا من أخطا و أضرار الغفلة و الجهالة عنها،

فمنها حزن القلب و الفكر : أما إذ لم نطلع علي ذالك، ولم نعرف مناهجهم ولم يمكننا أن نسلك عليها، فكيف نقدر علي السلوك والانتهاج فى صراطهم المستقيم، بل نُجبر علي أن نذهب في ظلام الطريق الخالي عنها، نشتغل في المنكرات و المحرمات، و تحزن القلوب بالخسران، وبعد ذالك كيف تستقر العقول و الأذهان؟  إذ لم نر سوى ظلمة بعد ظلمة، وها هو من النظم الطبيعيات.

ومنها نسيان النفوس : أما الإنسان أخذ يكبر متأسيا لأسوة الكبراء والقدماء، و هذا أمر طبيعى، كما في التنزيل العزيز ‘لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة’، وكيف نأخذ اسوة من لا نعرفهم حق المعرفة ، ولا نعلم اخلاقهم، ولا تربط بيننا و بينهم صلة العرفان بقدر المقتضي، فعندئذ بدأنا نأخذ الآخرين قدوة، و نسلك ما نراهم، وهلم جرا حتي ننسي أنفسنا،

ومنها الابتعاد عن الحضارة و الثقافة : إذا أخذنا نمتثل الآخرين أسوة، ونجري علي مناهجهم، فتدخل فينا حضارتهم وثقافتهم ، حتي يذهب عن ذاكرتنا أن لنا أيضا كانت حضارة خاصة وثقافة رائعة، لأننا إذا القينا النظر إلى أفراد الإنسان، لا نستطيع علي أن نميز أبناء المسلمين من غيرهم، لأنهم يحملون فيهم حضارة غيرهم و ثقافتهم، ويتزينون بما يرونهم عليه، حتي يشابهوهم مشابهة كاملة، أ ذالك ليس من الأسف لنا؟

ومنها التخالف عن دين الله : قد جرت عادة فينا ان نقتدى الثقافة والحضارة الاجنبية، فكيف نثبت علي ديننا القويم؟ بل الحالة تجبرنا علي أن نبتعد عنه، كما أجبرت كثيرا من المسلمين في الدول المختلفة كإسبانيا وروسيا وما أشبه ذالك، أنهم لا يعرفون أنفسهم، ولا يعلمون أن آباءهم كانوا مسلمين يوما، وأيضا كثير منهم لا يعلمون حقيقة الإسلام والمسلمين مع ذالك أنهم يكونون مسلمين بنفوسهم، ويفهم من احوالهم أنهم مسلمون اسما فقط،  لا عملا و لا فكرا حتي لا أصلا،  أ هذا ليس من الانحطاط لأمتنا المسلمة.

و ما إلي ذالك من سوى هذه الفوائد و الأضرار. فيجب علينا أن نستمر بمطالعة كتب السير، خاصة سيرة الرسول صلي الله عليه و سلم و سير أصحابه رضي الله عنهم وتراجم السلف رحمهم الله عليهم من العلماء والصلحاء  والدعاة، إن نرد أن تبقي معرفتنا و نأخذ البقاء في الدنيا. و الله المؤفق و المعين.

الكاتب: طالب الصف الثاني من المرحلة العالمية

بالجامعة الإسلامية فتية، شيتاغونغ، بنغلاديش

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn