سموم العلمانية القاطعة في العالم الإسلامي
الأستاذ عبد السلام الرياضي
كانت للعلمانية آثارها الخطيرة على المجتمعات الإسلامية التي وقعت في دنياهم وأخراهم من تخريب وتدمير وإفساد شامل، وفيما يلي تسليط الضوء على ذلك بإيجاز:
مظاهر العلمانية في الحكم والتشريع:
كان المسلمون خلال ثلاثة عشر قرنا يرجعون إلى المصادر التشريعية عندهم- القرآن والسنة والإجماع والقياس- ولم يدر في خلد أحدهم أن المسلم يمكن له أن يتحاكم إلى غير شريعة الله أو أنه يبقى مسلما إذا تحاكم إلى غير شريعة الله عز وجل، ثم لما تسربت العلمانية- نتيجة الاستعمار- إلى العالم الإسلامي تدريجا كان من أكبر المحن والبلايا التي ابتلي بها المسلمون تنحيتهم الشريعة الإسلامية لتحل محلها القوانين الوضعية، فحكموا بالقوانين الوضعية الكافرة اللعينة بدل الأحكام الشرعية الإلهية المباركة، وكان نقطة تسرب القوانين الوضعية المركزة على ديار المسلمين هو تعديل أتاتورك تركيا الإسلامية إلى تركيا العلمانية والغربية بعد إلغاء الخلافة ومجلة الأحكام العدلية، فكانت نموذجا للأقطار الإسلامية الأخرى لترويج العلمانية كسوريا ومصر والهند وغيرها، فكأنها هي الكفيلة لسعادة الناس في العاجل والآجل، وهي التقدم والرقي والازدهار، أما الإسلام فأصبح لديهم تخلفا ورجعية ومانعا عن بناء الحضارة والتطور التقني العياذ بالله!
مما يتأسف جدا أن العلمانية مازالت باقية ومنفذة في البلاد المسلمة حتى اليوم بعد رواح المستعمرين منها، وذلك بأيدي خلفائهم من المسلمين مصداقا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “َلتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ؟ بل قام هؤلاء بمالم يقم به المستعمرون.
مظاهر العلمانية في التعليم والتربية:
فتح المبشرون المنصرون المدارس الكثيرة في بلاد المسلمين ابتداء من رياض الأطفال وانتهاء إلى الجامعات، وعلى رأسها الجامعة الأمريكية والكلية الشيوعية في بيروت وغيرها، فقاموا بإفساد مناهج التعليم تماما، وذلك عن طريق النقاط التالية:
أ-كانت كتبهم الدراسية مملوءة بالطعن في الإسلام ونبي الإسلام وتشويه صورة الإسلام.
ب- أدرجوا في كل المدارس مناهج التعليم العلماني والغربي لمسخ الجيل القادم.
ج- قاموا بتقليص مدة المادة الإسلامية وجعلوها في آخر الحصص لتذهب قيمته من نفوس الدارسين.
د- حذفوا من المنهج ما يكشف عن الصورة الحقيقية للعلمانية وما لها من سموم قاتلة للإنسانية؛ وذلك لمحو فكرة مناهضة للعلمانية والغربية في نفوس الطلاب.
س- وقاموا بتحريف النصوص القرآنية والحديثية لتوافق العلمانية، أو ألا تخالفها على الأقل.
ط- أكرهوا على الاختلاط في التعليم، وعلى السفور ضد الحجاب الإسلامي.
ع- وقد أثار المستشرقون المستشارون للعلمانيين الشبهات حول كتاب الله وسنة رسوله.
ف- كما ساهم المنصرون في تحقيق الأهداف العلمانية بتكوين جيل قادر على حمل أمانة المستعمرين باسم الحضارة و التقدم بأن قام جم غفير من الإرساليات التبشيرية بالصحافة أو التعليم والتربية أو السياسة، فنشروا العلمانية والحضارة الغربية.
ل- ظهر عدد كبير من الأدباء والشعراء والكتاب، ونشروا أدب الردة والفجور والانحلال مما ساعد على نشر الأفكار المادية، وأسهم في التجرؤ على المقدسات حتى على الذات الإلهية.
م- الاحتقار بالماضي الإسلامي، وتربية الجيل تربية لادينية، وكان كل أولائك يقف بجانب المنظمات اليسارية واللادينية، أو كانوا يؤسسونها.
مظاهر العلمانية في السلوك والأخلاق:
كما نعلم أن العلمانية تعني بفصل الدين عن واقع الحياة من كل جوانبها بما فيها السلوك والأخلاق، فكما تركت العلمانية أثرها أو سمها القاطع في الجوانب الأخرى كذلك تركت آثارها السيئة في الجانب الأخلاقي والسلوكي، بل وأكثر، فدمرت مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والسلوكيات الرفيعة والقيم المثلى التي تنبثق من عقيدة المسلم، فنفرت الناس من الأخلاق كجزء مهم من الدين على أساس أنها نشأت معادية للدين، وكان أمرا محليا بظروف محلية في الغرب، ثم انتشرت العدوى مع الحضارة الغالبة حيثما وطئت قدماها.
وقد ساهمت نظريات علم الاجتماع في هدم الأخلاق والدين ثأرا من الكنيسة وتأثرا من اليهود الحاقدين على البشرية جمعاء، فكان لكل واحد من ماركس وداروين ودوركايم وفرويد- كلهم من اليهود الحاقدين- دور فعال في هدم الأخلاق بنظرياتهم المادية واللادينية.
ومن المؤسف جدا أن هذه النظريات تدرس في بلادنا ومدارسها الثانوية دون تفحيص تحت اسم دراسة علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد وعلم الأخلاق، فينشأ الجيل الجديد مجافيا للدين والأخلاق والقيم، بل هم دعاة العلمانية يحادون الله ورسوله وتطبيق الشريعة الإسلامية، العياذ بالله.
هناك تصرفات للعلمانيين سدت مسد الأخلاق الحسنة في الإسلام، وفيما يلي موجز ذلك:
أ- سيادة النفعية وشيوع المصلحية: فبعد أن اضمحل أثر الإيمان في النفوس استمد الناس قيمهم في التعامل من الهوى والمصلحة الشخصية، والربح والنزعة التجارية، وقد انتشرت النفعية في مجتمعاتنا المعاصرة رغم أن الإخلاص والصدق والأمانة والإيثار والتوادد كانت سماتها الخاصة إذ كانوا حريصين على تعاليم الإسلام حيث قال الرسو صلى الله عليه وسلم: “رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى”. كما دخل في الإسلام أفواج بأخلاق التجار والمشايخ…، فذاع الكذب والخيانة والغش والأنانية كسبا للمنفعة والمصلحة الشخصية لتحل محل تلك الفضائل، وهذا من بروتوكولات الصهاينة الهامة.
ب- شيوع الإباحية والانحراف: لقد تميز القرن العشرون بانتشار الرذيلة والجهر بالمعاصي بشكل لم يسبق له نظير حتى في الجاهلية القديمة، وقد تفننوا في تزيين الشهوات وتمجيد العرى وتحطيم الحواجز الأخلاقية، كما تفننوا في إقامة المسارح المختلفة والليالي الحمراء في الشرق والغرب، وهاجمت الأغاني الخليعة والرقصات الساقطة المنازل والأسواق عن طريق وسائل الإعلام وأشرطة الفيديو.
وأصبحت فنون العرى والرقص والإباحية المتمثلة في التمثيل السينمائي والمسرحي والأفلامي تدرس على أنها فن رفيع، بل أصبح فنا عالميا على أيدي الماسونية والصهيونية والإباحيين، وصار الممثلون يتخرجون في جامعات متخصصة، ثم هم يلقبون بأنهم النجوم بعد ممارسة الفاحشة أياما، كأنهم نجوم السماء- نسأل الله السلامة والعافية-، وهكذا يتلقفون أبناءنا، فيصهرونهم في هذه البوتقة.
ومن هنا لا بد من عودتنا إلى جادة الطريق والتربية الإيمانية لتنبثق أخلاقنا وسلوكياتنا من عقيدة المرء الصحيحة كما كان في فجر الإسلام، فلا بد من صفاء العقيدة ونقائها وترسخها في القلوب؛ لأنه إذا استقر الإيمان في القلوب ظهرت آثاره في الجوارح والسلوك.
وقد اتضح مما سبق أن ارتباط الأخلاق والعبادة بالإيمان والعقيدة ارتباط وثيق كما أوضح ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في أبلغ وموجز بيان إذ قال: “عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَالَ: لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لا”.
وقال صلى الله عليه وسلم: “مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثَةٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ”. وفي رواية “آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ”.
فإذا صار المسلم لا يجد حرجا في قلبه أن يكذب أو يغش أو يخون الأمانة أو يخلف العهود يكون قد تجرد من أخلاقيات “لا إله إلا الله”، وقيمها الإسلامية والإنسانية.
أثر العلمانية السيئ في وجه الدعوة:
لقد حاول العلمانيون والمتغربون لإغلاق الدعوة الإسلامية، فوقفوا ضدها، وسلكوا كل مسلك في سبيل ذلك، فوصفوا الدعاة المسلمين والعلماء بصفات ذميمة كمبتغي المناصب والجاه والنساء، وبأنهم العاطلون والأصوليون والرجعيون والمتخلفون والإرهابيون، وأثقال المجتمع، كما أغلقوا عليهم كل باب النشر لبياناتهم وخطبهم وكتاباتهم، ثم نشروا ذلك بوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية كما نشروه عن طريق المسرحية وبكل سخرية واستهزاء ليترفع الناس عنهم متنفرين، وهكذا لما خلا الميدان شمر العلمانيون عن ساق الجد فيه، فرفعوا هتافات متنوعة من دعوات حقوق الإنسان والحداثة والتقدم والعلم وما إلى ذلك مستهدفا بها نشر العلمانية والإلحاد والفساد ليقيم العلمانيون حكومة علمانية إبليسية، ونشروا كل النظريات والمذاهب الهدامة بوسائل الإعلام، وأصدروا كتبا تحمل أفكارا علمانية وغربية كافرة، بل فتحوا كل أبواب النشر لمثل هذه المذاهب، ومنحوا مؤلفيها جوائز قيمة، وألقابا فائقة.
ومن المؤسف جدا أن هناك خلفاء الغرب من المسلمين العلمانيين بعد الاستقلال، فقاموا بأكثر ما قام المستعمرون؛ ولذا ينبغي للعلماء والدعاة أن ينسوا الخلافات الفرعية ويتفقوا على الأصول والثوابت والقطعيات ليكونوا قوة متفقة أمام حملة العلمانية والتغريب والإلحاد، بل لتكون كلمة الله هي العليا تدميرا للأنقاض العلمانية والإلحادية.
الكاتب: أستاذ الحديث بجامعة دار المعارف الإسلامية، شيتاغونغ