ليكن أولاً حبك للعربية حباً جماً، فتكن من متقنيها كيفاً وكمّاً
الاستاذ الحافظ محمد محسن أمين
حمدا لله – سبحانه وتعالى- الذي اختار لكلامه المجيد، العربية على سائر اللغات السائدة في العالم، وهي أكثر من سبعة آلاف على اختلاف كشف الإحصائيات على المستوى الدولي في حين لآخر، وصلوةً تتكامل وسلاماً
يتوالى على امتداد الدهور والعصورعلى سيدنا أفصح العرب وأبلغهم، الذي أوتي جوامع الكلم،وقال تشويقاً لأمته وتحبيباً إليهم العربية: أحبِّوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي . وعلى آله وأصحابه الفصحاء، والتابعين لهم الأدباء، ومن سلك طريقهم واعتنق مناهجهم إلى ان يرث الله الأرض والسماوات السبع بما فيهما من الموجودات.
أحبتي القراء! فضَّلتُ في هذا اللقاء أن أتوجَّه إلى أبنائنا الدارسين بمختلف المدارس الدينية والجامعات كذلك، يواجهون الصعوبات والعقبات إزاء تعلُّم اللغة العربية كتابةً و تحدثاً، فيتساءلون بشكل عمومي- كلَّمَا لقيتُ أحداً من معارفي – عمّا هو الطريق إلى العربية، وهم يتدارسون الموادّ العربية من الصرف والنحو والبلاغة وما يشاكلها مع المقررات المنهجية التي معْظمهم بالعربية، فهمَّني أن أقدِّم لهم من خِبراتي الذاتية ومن نصائح كبار وخبراء هذا الحقل بحول الله وقوَّته.
على القاري أن لا يدركه العجب، حين يلقي نظرته العابرة على عنوان المقالة الذي يختلف تماماً عمَّا راج وتداول؛
إذ تعمَّدت ذلك لأجذبَ انتباه طلبتنا والقراء_ إلى ما نعيش فيه الآن من العصر الحديث المزعوم، عصر العولمة،المزدهر فيما يبدوْ، والمتدهور فيما يئول-كما لا يخفى على من له نظرة بعواقب الأمور.
وبالحق أن بيئتنا منهارةٌ بأخطر ما يكون عامة، وبالخاصة أخلاقياً واجتماعياً مما يفوق البيان، فأصبح الناشئون قد فسد أذهانهم، وتهافتت قوتهم الفكرية والإبداعية، يخبطون في استخدام الجوالات الذكية، والانترنت، وأنواع البرامج من الفيسبوك، والتويتر، واليوتيوب، وما يرتبط بها من اللَّايعنيّات-أعاذنا الله جميعا- فصاروا ليس لهم فرصة متاحة للجلوس أمام الكتب، فضلاً على العكوف عليها؛ لأن لهذه التافهة تفاعلاً سيئاً على المدى البعيد من انتشار وقلق وتوتُّرٍ ذهنيّ، يسلب معنى الهدوء والطمانينة، فإني كمُدَرِّسٍ مَدْرَسِيٍّ أخشى ببالغ الوجه على أبنائنا الناهضين، على هذه الأوضاع الرهيبة- كما سردتُ فيما أعلاه- أناشد الطالبين أن يمسحوا أولاً ذاكرتهم المشغولة بالشبكة – في الواقع شبكة الانحراف والهلاك- وأن يملئوها حباًّ للعلوم وللعربية حتى تكون بدايتك بالعربية خيرا، ويسهل السير إلى الأمام، وفيما يلي بعض المقترحات، أقدمِّها لكل من أراد أن يتعلم العربية استماعاً وقراءةً وتحدّثاً وكتابةً،وأن يحصل على هذه المهارات الأربع_ موزَّعةً على خطوات ونقاط:
الخطوة الأولى: الحب العميق، وما صاحبه من دواعيه كالإقبال المتزايد، والإرادة الصلبة، والعزم الأكيد_ شرط أوَّلِيٌّ لإتقان العربية، وأن يتخصص فيها؛ فعلى الراغب الجادّ فيها بالجهد والاجتهاد في سبيل ما يتمناه مع الصبر على الشدائد في طريق المطلوب، والمثابرة على ما يوصله إلى الغاية المرجوَّة، ليتحقق آماله، ولا يذهب رجائه عبثاً.
الخطوة الثانية: إذاما تمّ الرغبة، بحيث لا تفتر بعد قليل من مدة، تكون البداية بحفظ المفردات الأكثر
استعمالاً بمساعدة معجمٍ صغير الحجم، أو قاموس الجيب يمكن حمله كل وقت، والاستخدام عند مسيس الحاجة، فأقترح بهذه المرحلة قراءةَ المؤلفات للدكتور فضل الرحمن _ من أمثال ديشاري، وقاموس الجيب، والقاموس الوجيز لدارس
العربية العزيز، كما أنصح قراءة المؤلفات ومسلسلات ” مع الطفل المعاصر”_ للشيخ سلطان ذوق الندوي رائد الأدب العربي في دولتنا_ ومسلسلات ” الطريق إلى العربية” لفضيلة الأديب أبي طاهر المصباح، فإني استفدتُ كثيرا كثيرا مما أسلفتُ ذكرها.
الخطوة الثالثة: مما لايهمل أن دراسة قواعد العربية من الصرف والنحو نظرياّ وتطبيقياًّ أمر مهمٌّ بحيث لا بد منه، بل هما للعلوم العربية كالعينين للإنسان وكالعجلتين للسيارات ، لا يستطيع أحد السير إلى الأمام بدونهما في هذا المجال، فإتقان العربية يتوقف على إتقان الصرف والنحو.
الخطوة الرابعة: من الطبع أن إحسان وإتقان لغة ماّ لا يمكن بدون محاكاة أهلها، فالواجب الإكثار من قراءة الكتب الأدبية الجيدة ذات الأساليب المشرقة للأدباء البارزين من أهل اللسان وغيرهم، فأقترح بهذا الإطار قراءة ” صور من حياة الصحابة، وصور من حياة التابعين” للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا”،والنظرات والعبرات: للمنفلوطي.
وكذلك مؤلفات السيد أبي الحسن علي الندوي –رحمه الله تعالى- التي تتميز بأساليب رائعة، قد كنت معجباً بتعبيراته منذ نعومة أظفاري في المجال الأدبي، واستقيت كثيرا من منهله الأدبي الصافي، بالإضافة إلى ذلك، على الطلبة الناشئين أن يوْثروا أثناء دراستهم الشروح والحواشي العربية للكتب المنهجية على الشروح الأردية أو البنغالية حتى يتعوّدوا قراءة وفهم النصوص العربية، ويكسبوا
القدرات لأن يودُّوا الاختبارات بالعربية بدلاً من الأردية أو البنغالية –وهذا عارٌ أيضاً على الدارسين في المدارس العربية أن لا يمكنهم الإجابة بالعربية في الامتحانات- وفقهم الله جميعاً.
الخطوة الخامسة: وهذا أمر معترف بأن تعلُّم أيّ لغة ماَّ لا يتم إلا بالممارسة والتدرب على تلك اللغة بأوسع نطاق، فمن أراد أن يتقن كتابة العربية بأسلوب بليغ مبين، فعليه الركوب على متن طريقِ الكثير من الدّربة والمرانة ،وأولى الخطوات لإجادة عملية الكتابة ،كثرة القراءة للجرائد والمجلات ذات الأساليب العالية وحفظ روائعها، ثم القيام ببذل الجهود في تعويد النفس تدوين ما يخطر بالبال من خلال تدوين اليوميات أو حكاية سفر أو وصف منظر طبيعي، وكل ما يجيش في القلب من مشاعر، ثم الواجب تقديم وعرض المكتوب على من له براعة في الأدب وأساليب التعبير ليعلِّق على ما كتبتَ، أو يقوم بتصحيح إذا لحنتَ شيئاً .
هذا ما يخصّ الكتابة، وأما إتقان التحدث فيجب فيه التواصل مع الزملاء بالعربية الفصحى لاسيما المدرسين ، ولا بد من بذل الجهد للغاية في التزام العربية داخل الفصل، وعند التواصل مع الطالبين كما ينبغي أن يخصص وقت لإجراء حوارات معهم بالعربية، ويلزم أيضاً الاقتباس والانتقاء من الكتب الأدبية أفضلها ومن القصص أحسنها حتى يمكن الاستخدام عند ما دعتْ الضرورة إليه، وقبل كل هذا أيها القاري، عليك بالوحيين : القرآن الكريم وحديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذ كل الخير فيهما.
وفي الختام أقول: بصفة أن العربية هي لغة القرآن،ووسيلة لفهم النصوص الشرعية،والاستنباط الصحيح من النصوص، فيجب علينا أن نتعلم العربية لفهم القرآن والسنة ، كما يجب دراسة العلوم المرتبطة بها سواء بسواء. والله ولي التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.
1: المعجم الأوسط، الجزء: 5 ، الصفحة: 363. طبراني ، الجزء: 11 ، الصفحة :185 . مستدرك حاكم، الجزء :4 ، الصفحة: 97
الكاتب: أستاذ الحديث بجامعة مظاهر العلوم
شيتاغونغ، بنغلاديش