اهمّية التوبة فى ضوء القرآن والسنة

اهمّية التوبة فى ضوء القرآن والسنة

الاستاذ الحافظ محمد جعفرالصادق

عزَّ العبد في كمالِ الذلِّ والمحبَّة لربِّ العالمين – جل وعلا -، وأنَّ هوانَ العبد وصَغارَه في الاستكبارِ والتمرُّد على الله، ، بمحبَّةِ ما يكرهُه الله وبُغضِ ما يحبُّه الله، قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يريد الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ، وَالَّذِين يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر: 10]، وقال تعالي: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[غافر:60) فالتوبة لغة هي الرجوع مطلقا والمراد به الرجوع عن المعصية وامّاالتوبة شرعا فان لايعود ما فعله  من المعاصي نادما عليه وعمل عملا صالحا يعني الرُّجوعُ إلى الله – عز وجل – بتركِ الذنبِ الكبيرِ أو الصغيرِ، والتوبةُ إلى الله مما يَعلَمُ من الذنوب ومما لا يَعلَم المُكلَّف، والتوبةُ إلى الله من التَّقصير في شكرِ نِعَم الله على العبد، والتوبةُ إلى الله مما يتخلَّلُ حياةَ المسلمِ من الغفلَةِ عن ذِكرِ الله تعالى، عن الأغرِّ المُزنِيِّ – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلي الله عليه وسلم- : «يا أيها الناس! تُوبُوا إلى الله واستغفِرُوه؛ فإني أتُوبُ إليه في اليومِ مائةَ مرة»؛رواه مسلم

 ومن اقوال السلف الصالحين في معني التوبة: قال الحسن البصري(رح) : التوبة النصوح ان يعزم علي ان لايعود ما فعله من المعصية نادما عليه وقال الكلبي ( رح) : ان يستغفر العبد نادما ويمنع جسمه وجوارحه عن تلك المعصية وسئل عليّ (رض) عن التوبة فاجاب بان التوبة ما استجمعت عليه الشروط الستة وهي كما يلي:(1) ان يندم علي ما فعله من المعصية (2) قضاء الفرائض والواجبات التي تركها(3) ردّ المظالم الي اهلها (4) ان يستعفي من آذاه بيده او بلسانه (5) ان يعزم علي انه لا يعود ذلك الذنب (6) ان يري نفسه مطيعة لأوامرالله كما رآها عصت الله – تعالي – (معارف القرآن جـ8 صـ506) عن أبي هريرة (رض) مرفوعاعنه – صلي الله عليه وسلم – ان العبد اذا اذنب ذنبا نكتت في قلبه نكتة سوداء فان تاب وفزع صقل قلبه وان عاد زادت حتي تعلوقلبه فذلك الرأن الذي ذكره الله في القرآن (رواه احمد والترمذي وصحّحه النسائ)

ومن الجدير بالذكران الله تعالي يحبّ حبا شديدا لتوبة عبده ويفرح فرحا كثيرا كما روي عن أنس – رضى الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” الله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه راحلته وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح  : اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح.

ومِنَ الحِكَم العظيمة لمحبة الله لتوبةِ التائبين: أنَّ أسماءَ الله الحُسنَى تتضمَّنُ صفاتِه العُلى، وتدل على هذه الصِّفاتِ العُظمَى، وهذه الأسماء  الحُسنَى تقتَضِي ظهورَ آثارِها في الكَون؛ فاسمُ الله “الرحمنُ الرحيم” يدلّ على اتِّصافِ الله – جل وعلا – بالرحمة كما يليقُ بجلالِه، ويقتَضي أن يوجدَ مخلوقٌ مرحومٌ واسمُ الله “الخالقُ” يدلُّ على اتِّصاف الله تعالى بالقدرةِ على الإيجادِ والخَلقِ، ويقتَضي إيجادَ رب العالمين للمخلوقات من العَدَم. واسمُ الله تعالى “التوابُ” يدلُّ على اتِّصاف الله بقَبول التوبةِ مهما تكرَّرت، ويقتضِي إيجادَ مُذنِبٍ يتوبُ من ذنبِه فيتوبُ الله عليه وبقيّةُ أسماءِ الله الحُسنَى على هذا النَّحوِ، كلٌّ منها يدلُّ على ذاتِ الله العَظيم، ويدلُّ على صفةِ الله العُظمَى التي يتضمَّنها ذلك الاسم، ويقتضِي كل اسمٍ من أسماءِ الله الحُسنى ظهورَ آثارِه في هذا الكون، قال الله تعالى: (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الروم 50) والمقصودُ: أنَّ قَبولَ توبةِ المُذنِب مُقتضَى اسمِ اللهِ التواب، وثوابُ التّائبِ أثرٌ من آثارِ هذا القَبول، قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عن عباده وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى: 25)

ومِنَ الحِكَم لمحبَّةِ الله لتوبة التائبين: أن الله تعالى هو المُحسِن لذاته، ذو المعروف الذي لا ينقطِعُ أبدًا، فمن أطاعَ الله بالتوبة أحسنَ الله إليه وأثابَه في الدنيا والآخرة، ومن ضيَّع التوبة أحسنَ إليه في الدنيا، وعاقَبَه في الآخرة بسوءِ عمَلِهِ، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ( فصلت: 46)

ومن الحِكَم لمحبَّةِ الله تعالى لتوبةِ عبدِه: عفوُ الله وشُمُول رحمتِه للعُصَاة مع قدرتِه على العِقابِ، وفي الحديث: «إن الله كتَبَ كتابًا عنده فوقَ العرش: إنَّ رحمتي سبَقَت غضَبِي». إلى غير ذلك من الحِكَم التي لم نطَّلِع إلا على القليل منها.

وتصحُّ التوبةُ من بعضِ الذنوبِ، ويبقى الذنبُ الذي لم يتُبْ منه مُؤاخَذٌ به، والتّوبةُ بابُها مفتوحٌ لا يُغلَق، ولا يُحَالُ بين العبدِ وبينها حتى تطلعَ الشمس مِن المغرِب، فعند ذلك يُغلَق بابُ التوبة، ولا ينفعُ نفسًا إيمانها لم تكن آمنَت من قبلُ، عن زِرِّ بن حُبَيشٍ عن صفوانَ بن عسَّال – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «إن الله فتح بابًا قِبَل المغرِب، عرضُه سبعون عامًا للتوبة، لا يُغلَق حتى تطلعَ الشمسُ منه»؛ رواه الترمذي وصحَّحه، والنسائي، وابن ماجه.

وقد وَعَد الله على التوبةِ أعظمَ الثواب وحُسن المآب، فقال تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة: 112)

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)( التحريم: 8)

وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الفرقان ، الاية 68)ولا يخفي ان التوبة مما لايتعلق به حق لآدمي لها شروط ثلاثة وهي : فرارالمذنب عن المعصية في الحال وان يندم علي ما فعله وان يعزم علي انه لا يعود وان كانت مما يتعلق بحق آدمي فيزداد علي هذه الثلاثة ردّ المظالم الي اهلها ان امكن والا فيكفي استسماحهم

حكم التوبة: وهي واجبة من كل ذنب كبير او صغير باجماع لما ورد في الحديث الميمون ان النبي – صلي الله عليه وسلم – ياأيهاالناس توبوا الي الله فإني اتوب اليه  في اليوم مأة مرة وفي رواية إني لأستغفر الله واتوب اليه في اليوم اكثر من سبعين مرة وقبول التوبة دائم مستمر بالليل والنهار إلى الغرغرة أو طلوع الشمس من مغربها كما روي عن أبى موسى الأشعري عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها  وعن عبد الله بن عمرو عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر”

ما أعظمَ كَرمَ الرحمن، وما أجلَّ فضلَه وجُودَه على العبادِ، هؤلاء خلقُه يعصُونَه بالليل والنهار، ويحلمُ عليهم، ولا يعاجِلهم بالعقوبة؛ بل يرزُقهم ويُعافِيهم، ويُغدِق عليهم النعَم المتظاهِرَة، ويدعُوهم إلى التوبَة والندَم على ما فرَط منهم، ويعِدُهم المغفِرةِ والثوابَ على ذلك، ويفرَحُ بتوبةِ العبد أشدَّ الفرح، فإن استجابَ العبدُ لربِّه وتابَ وأنابَ وجَدَ وعدَ الله حقًّا، ففاز بالحياةِ الطيبة في الدنيا، وحُسنِ الثوابِ في الأخرة.

وإن ضيَّع التوبةَ زمنَ الإمهال، وغرَّته الشهواتُ والآمال عاقَبَه الله بما كسَبَت يداه، (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49]، ولا خيرَ فيمن هلَكَ مع رحمةِ أرحمِ الراحمين

ولا يخفي أن التوبة عبادةٌ عالِيةُ المقام، قام بها الأنبياءُ والمرسَلون والمقرَّبون والصَّالحون، وتمسَّكوا بعُروتها، واتَّصفوا بحقيقتِها، قال الله تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 117]، وقال تعالى عن الخليلِ إبراهيم وإسماعيل – عليهما الصلاة والسلام -: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 128]، وقال عن موسى – عليه الصلاة والسلام -: ( فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف: 143)

والمسلمُ مضطرٌّ إلى التوبة، ومحتاجٌ إليها في  جميع مراحل حياته لأنها ترافقه في حالِ استقامتِه أو في حالِ تقصيره، يحتاجُ إلى التوبةِ بعد القُرُبات وبعدَ فعلِ الصالحات، أو بَعد مُقارَفَةِ بعضِ المحرَّمات

فأخيرا اقدم أمام القرّاء أهمّ ما هي سبل و طرق معينة علي الاستمرار في التوبة بل هي مفتاح للتوبة هدفا إلي التشجيع والحثّ عليها

1- الإخلاص لله تبارك وتعالى2- امتلاء القلب من محبة الله تبارك وتعالى 3 – المجاهدة لنفسك 4 – قِصَر الأمل وتذكّر الآخرة 5- العلم 6 – الاشتغال بما ينفع وتجنّب الوحدة والفراغ 7 – البعد عن المثيرات، وما يذكّر بالمعصية

8 – مصاحبة الأخيار8- مجانبة الأشرار9- النظر في العواقب 10- هجر العوائد 11- هجر العلائق 12- صلاح الخواطر والأفكار 13 – استحضار فوائد ترك المعاصي14 – استحضار أضرار الذنوب والمعاصي 6 1- الحياء  17- تزكية النفس   18 – الدعاء

 لابدّ لنا ان ندعو دائما لأجل الاجتناب من المعاصي والمسارعة الي التوبة اذا صد رمنا ذنب حيث أنه  من أعظم الأسباب، وأنفع الأدوية، بل الدعاء عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يُخفِّفه إذا نَزَل. ومن أعظم ما يُسأل، ويُدعى به سؤال الله التوبة

فاخيرا ادعو الله – عز وجل – ان يوفقنا للتوبة النصوح ويجنبنا عن المعاصي والممنوعات في مراحل الحياة الانسانية

الكاتب: أستاذ الادب العربى والدراسات الاسلامية

بالجامعة الاسلامية فتية، شيتاغونغ، بنغلاديش،

مدير التحريرالمساعد لمجلة بلاغ الشرق

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn