الأستاذ عبد السلام الرياضي
من المعلوم أن البشرية اليوم قد قامت بتجربة مُرّة للأيديولوجيات السياسية والقيادية، وقد سئمتْها، وتألمت بثمراتها السامة وحارت في توخّي أيديولوجية ناجحة تفقد البشرية عن الشقاء والعناء المحدق، فهي اليوم بحاجة ملحة إلى قيادة رشيدة، وهي القيادة المسلمة فبإمكان ولاة المسلمين اليوم إما أن يبقوا وشعوبهم على حالتهم التبعية للغرب، وإما أن يتقدموا بزمام الإنسانية، وخرجوا بها من قعر الظلام والضلال والشقاء والعناء إلى نور العلم والرشد والسعادة والطمأنينة، وذلك بالخروج من تبعية الغرب الهابط في المهالك، وإيجاد القوة الإيمانية والروحية التي هي معدومة في الغرب تماما، والمادية والتكنولوجية التي هي معدومة في الشرق المسلم، وتوحيد الشعوب المسلمة في صف واحد، وتجميع شملهم، وتوطيد قواهم المتناثرة، وإيجاد استقلالهم السياسي والاقتصادي والعسكري، وإنشاء الفروسية والجلادة، أليس من العار واللؤم أن تكون أمة كانت بيدها قيادة العالم تابعة ذليلة من أقوام متبوعين ولولم تكن معهم تلك المؤهلات التي هي لازمة للقيادة العالمية السوية؟ بلى، بل ألف بلى، إذا تستطيع إسرائيل أن تقتل الأبرياء في فلسطين، وتدمر المنازل والقرى والمدن دون أي مبالاة بالمسلمين في داخل دولة إسلامية تحيطها- إسرائيل- فما فائدة هذه الدول؟ وما عوائدها على الأمة المسلمة؟ وكذلك إذا تستطيع الحكومة البوذية في بورما (ميانمار) أن تجلي مسلمي أراكان بكل عنف وظلم من القتل والإحراق والإغراق والإبادة وتدمير القرى بعد القرى دون أي مبالاة إلى المسلمين، فما قيمة هذه الأمة المسلمة في العالم؟ والله الذي لا إله إلا هو إنه نتيجة تمزق الأمة الإسلامية الذي أصيب به المسلمون في القرنين التاسع عشر والعشرين بكيد الأعداء ومؤامرات اليهود في عهد الاستعمار الغربي، فسلكوا على المثل السائد قديما “فرِّق تسد” ففرقوهم إلى دويلات، وجعلوا عليها رؤساء وحكاما فرحوا بسيادتهم التي هي في الحقيقة استعبادة، واستغلوا ضعف المسلمين إذ فقدوا ذلك الشعور الديني الذي كان يجري في عروق ودماء أوائلهم، ألا وهو قول الرسولﷺ ” الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ”وما روي عَنْ أَبِي مُوسَىؓ عَنْ النَّبِيِّﷺ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ.
فأين المسلمون اليوم من هذه الأحاديث؟! لذا ولغيره لم يطمع عليهم الغرب إلا بعد إلغاء الخلافة وتمزيقهم إلى دويلات كالرئاسات القبائلية قبل الإسلام، وأبقوهم، وسيبقون إلى الأبد على هذا التفتت لولم يتيقظوا.
رجاء العالم الإسلامي في العالم العربي:
يقول الداعية الشيخ الندوي: “والعالم العربي بمواهبه وخصائصه وحسن موقعه الجغرافي وأهميته السياسية يحسن الاضطلاع برسالة الإسلام يستطيع أن يتقلد زعامة العالم الإسلامي، ويزاحم أوربا بعد الاستعداد الكامل، وينتصر عليها بإيمانه وقوة رسالته ونصر من الله ويحوِّل العالم من الشر إلى الخير، ومن النار والدمار إلى الهدوء والسلام”.
ومرّسماحته قائلا: ” لقد خرجوا من ضيق جزيرة العرب، ومن ضيق الحياة فيها، ومن ضيق التفكير في مسائلها ومصالحها، ومن ضيق التكالب على حطامها القليل وملكها الضئيل وعيشها الذليل إلى عالم جديد من السيادة الروحية القوية الخلقية والعلمية والسياسية… وليست البلاد الواسعة كالصين والهند وتركستان إلا أحياء ضيقة وحارات صغيرة، ونقطا مغمورة في هذا العالم، … إلى أن قال: “وقد أكرم الله بها- القيادة- العرب لما أخلصوا لهذه الدعوة الإسلامية وتفانوا في سبيلها، فأحبهم الناس حبالم يعرف له نظير، وقلدوه في كل شيء تقليدا لم يعرف له نظير، وخضعت للغتهم اللغات، ولثقافتهم الثقافات، ولحضارتهم الحضارات.
فكبير أمل الأمة الإسلامية يرتكزعلى العرب إن أخلصوا لهذه الدعوة الإسلامية من جديد، وتفانوا في سبيلها، وجاهدوا فيها. والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين[العنكبوت: 69].
دعوة إلى المثقفين ورجال الحكومات الإسلامية:
هذه دعوة موجهة إلى الإخوة المثقفين والمفكرين لا سيما رجال الحكومات في الدول الإسلامية من صميم القلب، وأقول بكل إخلاص وصدق ومودة إخواني الكرام! تعالوا إلى دين الإسلام الذي هو الدين عند الله ، يقول الله : إن الدين عند الله الاسلام [آل عمران:19] ، وهذا هو الدين الوحيد الذي يستطيع أن ينقذ البشرية من الهلاك والدمار بتعاليمه العلمية المعتدلة المعقولة الصالحة لكل زمان ومكان، ولنطبقها على واقع حياتنا وفي أرجائها كلها لنتمتع بها ثمراتها العذب الحلو، ولننشأ مجتمعا إسلاميا سعيدا من جديد، يعيش فيه البشرية عيشا رغيدا هنيئا مريئا، يجمعهم المودة والرحمة، يحب كل واحد منهم الآخر حبا جما، و يحب له ما يحب لنفسه، بل ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون، ولنجعل الحكومة على منهاج النبوة والأحكام الشرعية، دون القوانين الوضعية الغربية اللعينة.
وإذا قال العلماء بإقامة الحكومة الإسلامية ويدعون إليها لا يعني ذلك أبدا إبعاد المثقفين والمفكرين والسياسيين والاقتصاديين من مناصب الحكومة، ويتولونها رجال عاميون جاهلون كإبعاد العلمانيين علماء الدين من شؤون السياسة، كلا بل يريد الإسلام الصلاح والفلاح والفوز والسعادة؛ لذا من تعليم الإسلام أن ينزل الناس منازلهم، روي”أَنَّ عَائِشَةَ مَرَّ بِهَا سَائِلٌ فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَهَيْئَةٌ فَأَقْعَدَتْهُ فَأَكَلَ فَقِيلَ لَهَا فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ “أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ”.
لذا كان رسول الله وخلفاؤه قد أبقوا كثيرا من أصحاب المناصب على مناصبهم بعد أن أسلموا، كما أرسل رسول الله إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة…”فأسلم تسلم”، “وأجعل لك ما تحت يديك”، وكما أرسل رسول الله إلى المنذر بن ساوي ملك البحرين: “بسم الله الرحمن الرحيم… وإن رسلي قد أثنوا عليك… وإنك مهما تصلح فلن نغيرك عن عملك…، كذلك أرسل إلى ملك عمان وأخيه “أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة…، فأسلما فأبقاهما النبي على ما كانا عليه من الحكم علما بأن في معظم كتابات النبي كان ذكر هذا الإبقاء.
فكما أن قيادة دولة إسلامية تحتاج إلى علماء الشريعة النابغين، كذلك تحتاج إلى علماء وخبراء العلوم الطبيعية والتجربية والسياسية والاقتصادية والسفراء والقنصليين، نعم لا بد أن يعرف كل واحد منهم المبادئ الدينية والأسس العامة للشريعة في الدولة الإسلامية ليستطيع أن ينجز مهمته على منهج الشريعة، وهكذا كانت الدولة الإسلامية تسير سويا في عهد الإسلام الذهبي بالتعاون المتبادل بين كل طبقات المسلمين، ثم وإن ابتعد العلماء من السياسة فيما بعد، ولكنهم كانوا على رأس وعين الحكام، يستشيرونهم في معضلات الأمور السياسية، ثم وقعنا في مؤامرة يهودية حيث نفخت روح التفرق والتنائي بين الأمة الواحدة، فجعلوها طبقتين: طبقة علماء العلم المدني أو العصري، وطبقة علماء علم الدين إلى أن وصل الأمر إلى ما وصل إليه من إبعاد الدين وأهله من السياسة، لا حول ولا قوة إلا بالله!
فموجز الكلام والله العظيم لو أنتم تقومون بسياسة الدولة على منهاج النبوة والقواعد الشرعية وفق توجيه العلماء الراسخين، ومشاركتهم لكان خيرا لكم و للأمة، وسعادة الدارين للجميع. هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين
الكاتب: أستاذ الحديث النبوي والفقه المقارن والدراسات العليا،
بجامعة دار المعارف الإسلامية شيتاغونغ، بنغلاديش.