محمد عرفات الصكري
حاولت أن أسرد لكم حكاية مريرة لطفلة كريمة روهنجية، عاشت مأساوية صعبة لأيام قبل أن تصل إلى بنغلاديش،سمعتها من أخى الفضيل الوثيق من قبل أيام ، يروي امامنا: أنى ارتحلت إلى مخيمات اللاجئين الروهنجية لزيارتهم وخدمتهم وعونهم،
لقيت هناك بأطفال يرتسم البؤس والخوف فى ملامهم، وسألت منهم عائشة ووجهها مثقل بالبؤس والحزن وزعج الوجع فى فؤادها شديدا ،”حدثينى عنك انت ؟ وكيف وصلت إلى هنا؟ وأين والداك الشفيقان ،؟ ومع من تسكنين الآن؟”.
فأجابت والعين اغرورقت بالدموع : أخي العزيز ! أنا طفلة روهنجية كنت أعيش مع أسرتي والأبوين في مدينة” أقياب” بأراكان بورما، وكنا في أمن وسلام إلى أن جاء ذلك اليوم الأسود الذي لا أنساه أبدا،
حين بدأ البوذيون يحرقون قرانا ، وأعتدوا على رجالنا وشبابنا،واغتصبوا نساءنا مترقين لهجمات الهمجيين و الحيوانات الضارين ،من حيث لا يرحمون طفلا رضيعا ولاامرأة حاملة ولا شيخا فانيا ولا يتركون احدا إلا قتلوه ابشع قتلة.
وكيف أسع لي أن أحكيها لكم!وكيف أسرد فصولها المريرة لكم ! حينما بدأت عصابات بوذية تتوافد إلى قريتنا بشكل مريب، وهذه العصابات من طائفة (الموغ) ولم نكن نعرفهم من قبل.
أحاط البوذيون بقريتنا، وشكلوا طوقا حول منازلنا، حينها دب الرعب في قلبي، وأخذ والدي يتمتم في بعض الآيات والسور، وعلى وجهه ارتسمت سيماء الخوف والرعب مما يخطط له البوذيون، وما هي إلا ساعات حتى أغاروا علينا بكل همجية ووحشية، وأخذوا يحرقون قريتنا ودوراتنا ، فاضطررنا إلى الخروج من المنازل في حالة مليئة بالخوف، ونحن لا ندري هل نستطيع إنقاذ أنفسنا أم أن البوذيين الذين ينتظروننا في الخارج بالمسدسات والسيوف سيقضون علينا ؟
بدأ الحريق ينتشر بسرعة وأخذ الرجال والنساء يصيحون ويخرجون من منازلهم بملابسهم دون أن يتوركوا على حمل أي شيء، لأن النيران أخذت تنتقل بشكل سريع والدخان يتصاعد بقوة، وكدنا نموت بسبب الاختناق ولكن الله سلمنا.
وتفرق أهالي في قريتنا بعد ما أضرم فيها البوذيون النار ، ومن هول الفاجعة هرب أبي وأمي إلى جهة، وهربت أنا إلى جهة أخرى، لكي ننجو بأنفسنا من النار، ونسلم من ملاحقة البوذيين لنا في الخارج.
لكنهم أخذوا والدىّ وقيدوا،ومزقوا ملابس أمى أمام زوجها(أبي) مكتوفا،وخلعوا حجابها،رجلان منهم أمسكا بها،احدهما امسك ذراعها والآخر أمسك بشعرها، فتناوبوا اغتصابها إلى أن ماتت،فى دفعة أخرى و ذبحوا والديّ بالسكين بعد ما اعتدوا عليه اعتداء وحشيا،ثم حرقوهما مع دارنا.
لقد كدت أن يفقد وعيى بما رئيتها من قذيف، وأريد أن أموت معهم ،ولقيت مع حتفهم، لكن بعض أقربائي ذهبوا بي رغم أنفي الى مقر، يأتلف فيه أهالي قريتنا،ليفروا منه جميعا الى بنغلاديش،واستطعنا بعد عدة محاولات وجهود مضنية أن نصل إلى الشاطئ ونركب سفينة بحرية صغيرة مع مجموعة من أهالي القرية الفارين، كنت أنظر إلى قريتنا وهي تحترق، وأتخيل أن أبي قد مات وأن أمي قد احترقت، وهذا القلق يعذبني ويقتلوني الف الف مرة،فكنت أتمنى أن أموت معهم.
وفكرت أن أرمي بنفسي في البحر لأتخلص من جحيم المعاناة، لقد بكيت وبكيت كثيراً، وكان من في السفينة يحاولون تهدئ روعي وتطرد رعبي، ولكن لم يكن هناك شيء يسليني عن أبي وأمي، ويشفي غليلي، وجميع من على القارب يبكي ويصرخ، فالبوذيون قتلوا الكثير في هذه الحملة، والحرائق التي اندلعت في حيّنا أيضاً قتلت الكثير حرقاً، فصار الجميع في حالة من البؤس والحزن، لا يعلم مداها إلا الله،
ولم أستطع أن آكل شيئاً، فأي أكل وأي راحة بعد أن صرت في عرض البحر خلا عائلتي، وامتدت رحلة الموت أكثر من يومين، كنت أبكي فيها وأرثي لنفسي وأتألم من داخلي، ويصيبني دوار البحر فأغمض عيني، وأتذكر حنان أمي، ولطف أبي، ودفء أسرتي، آه على فراقهم. لقد صرت يتيمة مشردة ضائعة، أين أنت يا أماه تمسحين دمعاتي؟! أين أنت يا أبتاه تهدّئ من لوعاتي؟!هكذا كنت أعيش وسط دوامتين، دوامة الحزن والأسى بفراق أمي وأبي، ودوامة أخرى مع أمواج البحار وهول المصير الذي ينتظرنا وسط هذا البحر الذي لا يهدأ.
واصلنا السير في البحر حتى وصلنا إلى حدود بنغلاديش، وبدأ الشاطئ البنغلاديشي يلوح في الأفق، وظننا أننا نجونا من مصيبتنا بسلام، وأن الغمة قد انقشعت، ولكن لم نكن نعلم أن مصائب أخرى، وفاجعات أشد كانت في انتظارنا، ما كدنا نصل إلى شواطئ بنغلاديش حتى اعتدت صياد البشر البنغالية على من في سفينتنا من الرجال والنساء، وضربوهم ضربا شديدا بلا أدنى رحمة.
وبعد ما نهبوا منا ذهبا واموالا ومحرك القارب الذي كان يقلنا، دفعونا قسرا نحو البحر مرة أخرى دون محرك، وهنا عشنا أصعب اللحظات،وتحركت السفينة مع الأمواج،ازداد صراخ النساء والأطفال،الجميع يشكو المرض والجوع ودوار البحر وسيلان البطن جراء سوء التغذية
الكاتب:طالب المرحلة العالمية بالجامعة الاسلامعة فتية