محمد محسن أمين
مما لا بدّ أن يكون كل من ينتمي إلى الإسلام – على إلمامٍ تامٍّ بأن هذا الدين جاء نصيحة لكل فرد من البشر، بل لكل ما هو في هذا الكون الفسيح، وفي هذه المعمورة الواسعة؛ إذ فيه هداية شاملة، وتوجيهات كاملة، وتشريعات حكيمة من الله – تعالى وتقدّس- فشرّح للإنسان خاصة، وللآخرين عامة الطريق الموصل إلى الله – جلّ مجده – وفصّل ما يضمن السعادة، والفلاح في الدنيا والآخرة كما بيّن عوامل المخيبة والخسران الدائم فيهما بكل ما يحتاج إليه، بحيث لا يكون لأحد مجال الإنكارولا للاعتذار
وذلك بإنزال الكتب السماوية والصحائف وبإرسال آلاف من الأنبياء والرسل عبر الأعصار و الأمصار، يبلّغون إلى الخلق أحكام الله – سبحانه وتعالي- بالإضافة إلى ما ودع الله فيهم من العقل وقوة التفكير وجعل لهم من الآيات البينات والشعائر الواضحات على انتشار السماوات والأرض. ومن أبرز وأهم هذه الشعائر ” الكعبة المشرفة” ففي التالي قبسات من الحقائق والتاريخ حولها إن رافقني التوفيق والمعونة من الله – تعالى
الكعبة المشرفة:
الكعبة هى بناء موجود بمكة المكرمة، التي هى إحدى المدن- للمملكة العربية السعودية، والمسجد الحرام هو البناء الذي يحيط بالكعبة من الجوانب الاربعة وفضل هذا المسجد لأجل تواجد الكعبة في بطنه ؛ إذ لا يمكن ذكره دون ذكر الكعبة ، فالكعبة تقع وسط المسجد الحرام تقريبا على شكل حجرة كبيرة مرتفعة البناء مربعة الشكل. والحج الذي هو أحد أركان الإسلام الخمسة، يدور حولها، ويعد القيام بزيارتها والطواف حولها جزءا من فريضة الحج، ويرتبط هذ البناء روحيا بفكر المسلمين؛ لأنهم يتوجهون إليه في صلواتهم، ويطوفون حوله في حجهم، كما أن هذه الكعبة أول بيت وضع في الأرض حسبما ورد في القرآن الكريم، حيث قال : جل وعلا- ﴿ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين﴾
ترديد شكوك وشبهات حول الكعبة:
وهناك بعض الشبهات يثيرها بعض الملحدين قائلين: إن الإسلام إذا كان ينكر على عبادة الأصنام والأحجار وما إلى ذلك من دون الله – سبحانه وتعالى- فلماذا يطوف المسلمون بهذا البيت المبني بالأحجارويقبلون الحجر الأسود وها هى عبادة الأحجار.
فنقول بصدد الترديد أولا: إن تعظيم بيت الله والطواف حوله وتقبيل الحجر الأسود ليس إلا لامتثال أم الله – تعالى- وكل ما كان بأمر الله، فالقيام به نفس عبادة الله ؛ نعم، الحكمة في ذلك كما بين النبي – صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: حيث قال:( إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)
فالطائف يطوف بجسده وقالبه والقلب والروح بتفانٍ في ذات الله ، واتجاهٍ إليه؛ إذ يقول الحاج على حضور قلبه بالتواصل والتوالي: لبيك اللهم لبيك، لا لبيك يا كعبة لبيك. فالقيام بهذه المناسك للحج وأحكامه إنما هو رمزلتوحيد قلوب المسلمين على عبادة الله وحده لا شريك له. فلذلك ليس لأحد أن يتخذ مكانا آخر للطواف والتعظيم كما يتروج في سائر الملل والنحل.
وثانيا: أَحَبَّ الله سبحانه أن يلقنهم دروس فناء هذه الدنيا وبقاء الآخرة أثناء هذه المظاهر من لباس واحد غيرمخيط ، وصورة واحدة، وحياة واحدة من غيرتمييز بين المادة والحسب والنسب والمال والجاه بعد أن كانوا متفاضلين في الرتب والأحساب والسيادة في مراحل حياتهم الانسانية ومغترّين بزخارف الحياة وملذاتها كما يتلقى المسلمون من خلاله المساواة، والأخوة الإسلامية؛ لأنهم يظهرصغيرهم وكبيرهم ، غنيهم وفقيرهم، حاكمهم ومحكومهم كلهم عند الله سواء لا يتفاضلون إلا بالتقوى كأنه ترجمة عملية لقول الله تعالى 🙁 إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)
وثالثا: إننا أمة الإسلام لا نرى الكعبة معبودنا ، بل هى قبلتنا، نتوجه إليها في صلواتنا عند ما نعبد الله وحده ، والدليل على ذلك قول الفقهاء: إذا صعد أحد سقف الكعبة، جاز صلوته، بخلاف عبدة الأصنام ، لا يجترئون أصلا على وضع القدم عليها ، وعلى رأسها، وهذا هو الفرق بيننا وبينهم.
التسمية بهذا الاسم: الكعبة لغة من الشيء المكعّب، فتسمى الكعبة بهذا لتكعيبها وهو تربيعها اى لكونها بناء مربّع الشكل ومكعبا تقريبا وقيل لعلوها ونتوها.ولها أسماء أخرى،قد وردت في القرآن الكريم، وهى كالتالي: (1) الكعبة: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس وأمنا) المائدة:297. (2) البيت: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران:97 . (3) البيت العتيق: ( وليطوفوا بالبيت العتيق) الحج:29 . (4) البيت الحرام: (ولا آمين البيت الحرام) المائدة:3 . (5) البيت المعمور) الطور: 4 . (6) البيت المحرم (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غيرذي زرع عند بيتك المحرم) إبراهيم: 37.
تاريخ البناء:
وفق معتقد المسلمين أن أول من بناها الملائكة، وكما تفيد الروايات التاريخية أنها بنيت _ 12 مرةً على مرِّ الأيام و الدهور لما تضررتْ عدة مراتٍ بسبب الكوارث الطبيعية من الفيضانات والسيول والطوفان أو الحروب وغيرها ، وأسماء البناة حسبما يلي:* الملائكة * وآدم عليه السلام *وشيث ابن آدم عليه السلام *وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام *والعمالقة *وجرهم *وقصي بن كلاب *وقريش *وعبد الله بن الزبير في عام 65ه * والحجاج بن يوسف في عام 74ه *والسلطان مراد الرابع أحد السلاطين العثمانية في 1040ه *وخادم الحرمين الملك فهد بن عبد العزيز في عام 1417ه.
ولكن قال العلامة إبن كثير: إن الثابت لدينا أن أول من بناها سيدنا إبراهيم عليه السلام ، ثم آل قريش قبل البعثة النبوية بخمس سنين ، ثم عبد الله إبن الزبير عام 65 ه وبعد ذلك حجاج بن يوسف ، ثم بناها السلطان مراد الرابع عام 1040 للهجرة حقائق وخصائص للكعبة:
مما يجدر بالذكر أن للكعبة خصائص وميزات وحقائق علمية لم أر حرمان القراء منها،فحاولت أن ألقي ضوء عليها فيما أسطر أدناه متشوقا أن يرزقني الله زيارتها ،وحج بيته الحرام. منها أن لا يبلغها أحد إلا يخرّ القلب خاشعاً متضرعاً يعروه الهدوء والسكون كأنه توقَّف خفقانه ، وتدمع العين حينما تمَّ وقوع النظر إليها،وينزل إليها سبعون ألفا من الملائكة يطوفون حولها كل يوم وليلة لايعودون إلى يوم القيامة ،ومنها أنها صرَّة الأرض وعلى استواءٍ وصلةٍ نحو السافل من البيت المعمور في السماء السابعة الذي يطوف فيه الملائكة وهى أول بيت وضع للناس على وجه الأرض وليس هناك في الكون بقعة أكثر مهابةً وقدسيةً منها ولم تعبد في تاريخها من دون الله قط ، وإن العرب كانوا يعبدون الأصنام والأوثان حولها ولم يخصوها بالعبادة أبدا.ومنها أن جميع الانبياء قاموا بالحج إليها ومجرد النظر إليها عبادة تعادل أجرعابد في غير مكة ، وهى قدس الأقداس الإسلامية، وهناك ثلاثة كنوز ليس لها مثيل في العالم: وهى الحجر الأسود ومقام إبراهيم، وبئر زمزم.
أما الحجر الأسود ومقام إبراهيم هما ياقوتتان من يواقيت الجنة والحجرالأسود حجر بيضوي الشكل أسود اللون مائل إلى الحمرة وهو موجود حالياً في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة من الخارج وهو مبدأ الطواف ومنتهاه،ويرتفع عن الأرض متراً ونصفاً ،وهو محاطٌ بإطار من الفضة الخالصة حفظاً له ؛لأنه كان سُرِق لمدة 23 سنة ،وأخذ خارج الجزيرة العربية حتى أعاده الخليفة العباسية إلى مكة.وقد ورد في الحديث عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ،ولولا أن طمس نورهما لأضاء ما بين المشرق والمغرب” وكذا ورد في الحديث “أن الحجر الأسود نزل من الجنة أشد بياضا من اللبن،فسوَّدته خطايا بني آدم.
ومقام إبراهيم هو الحجر الذي كان يقوم عليه إبراهيم عليه السلام عند بناء الكعبة حينما ارتفع جدرانها،وكان إسماعيل يناوله الحجارة وكلَّما كمُل جهة انتقل إلى أخرى، يطوف هكذا حول الكعبة وهو واقف عليه حتى انتهى إلى وجه البيت ،وقد كان من معجزاته أن صار الحجر تحت قدميه رطباً فغاصت فيه قدماه ،فبقي أثر قدميه ظاهرا فيه ،وهو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عليه السلام بالأذان والنداء للحج .وأما بئر زمزم وهو نهر من أنهار الجنة ،ينبع عينه المتدفق من تحت أعتاب الحجر الأسود، يفيض الماء منه منذ آلاف السنين دون أن يجف البئر أو ينقص حجم المياه فيه،وإن هذا البئر هو أقدس آبار المياه عند المسلمين،وليس هناك شراب على وجه الارض يفوق مكانة ماء زمزم، وإنه حفر بجناح جبريل،وساقت الملائكة مياهه من أنهار الجنة غياثا للسيدة هاجرة وإبنها الرضيع- إسماعيل عليهما السلام) وسقيا لضيوف الرحمن،وليكون آية للناس على مرّ العصور والأزمان،وشرب ماءه للخائف أمان،وللمريض شفاء،وللجائع طعام.والله أعلم بالصواب،وإليه المرجع والمآب.
الكاتب: أستاذ جامعة مظاهر العلوم،شيتاغونغ