ماذا خسرالمسلمون بانتهاك المحرمات والاستهانة بها
اعداد: المفتي غياث الدين
من الحقيقة الناصعة ان الله فرض فرائض لايجوز تعديها وحرم اشياء لايجوز انتهاكها قد امرنا الله بتعظيم حرماته ونهانا عن ارتكاب محارمه وتجاوز حدوده ومخالفة اوامره قال الله تعالي “ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه- وفي الحديث عن ابي ثعلبة الخشني (رض) عن رسول الله (صـ) ان الله تعالي فرض فرائض فلاتضيعوها وحدودا فلاتعتدوها وحرم أشياء فلاتنتهكوها وسكت عن اشياء رحمة لكم غير نسيان فلاتبحثوا عنها- وقد بين للناس بيانا وافيا تلك الحدود والمحرمات حيث قال رسول الله (صـ) ما احل الله في كتابه فهو حلال وماحرم فهو حرام وماسكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فان الله لم يكن نسيا ثم تلا هذه الاية وما كان ربك نسيا-(رواه الحاكم)
المحرمات هي جمع محرم وهي ما يجب احترامه وحفظه من حقوق الأشخاص والازمنة والاماكن. حرمات الله تعالى هي كل ما حرمه الله مما هو منصوص عليه في الكتاب والسنة ومعني انتهاك حرمات الله اقترافها بجرأة من غير حياء من الله ودون احساس بالذنب ثم انتهاك المحرمات له نوعان أحدها انتهاك المحرمات علانية وهوفسوق وصاحبه فاسق والنوع الاخر انتهاكها سرا- وهونفاق عملي حيث أن صاحبه يعمل الصالحات رياء فاذا خلا عن الناس ينتهك المحرمات ولايكون نفاقا اعتقاديا إن كان لأجل أن غلب عليه شهوته وشيطانه حتي عصي ربه وقد امتلأ قلبه ندما وخوفامن الله-
والمحرمات هي حدود الله حيث قال الله تعالى تلك حدود الله فلا تعتدوها-(سورة البقرة) وقدهدد الله من يتعدي حدوده وينتهك حرماته قال الله تعالي ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين -(سورة النساء) واجتناب المحرمات واجب لقوله عليه السلام ـ ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وماامرتكم به فافعلوا منه مااستطعتم-
وقد حذر النبي (صـ) أشد التحذير عن ذالك كما روي عن ثعبان (رض) عن النبي (صـ) قال لاعلمن اقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات امثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله تعالي هباء منثورا قال ثوبان يا رسول الله! (صـ) صفهم لنا لان لانكون منهم ونحن لانعلم قال اما انهم اخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم اقوام اذاخلوا بمحارم الله انتهكوها (رواه ابن ماجه)
ومن المشاهد ان بعض متبعي الهوي ضعفاء النفوس ناقصي العلم اذا سمع بالمحرمات متوالية يتضجر ويقول كل شيئ حرام ماتركتم شيئا الاحرمتموه أساتم حياتنا واضجرتم عيشتنا وضيقتم صدورنا وما عندكم الا الحرام والتحريم مع ان الدين يسر والامرواسع والله غفور رحيم
ونناقشهم قائلين بأن الله عزوجل الله يحكم مايشاء لا معقب لحكمه وهو الحكيم الخبير فهو يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء ومن مقتضي عبوديتنا لله ان نرضي بما حكم ونخضع له خضوعا وقد بين لنا الله ضابطا هو مدارالحل والحرمة فقال تعالي ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث (سورة الاعراف) فالطيب حلال والخبيث حرام والتحليل والتحريم حق لله وحده فمن ادعاه لنفسه او اقر به لغيره فهو كافر ومنحرف عن الملة قال تعالي أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله (سورة الشوري)
ثم ان الله تعالي رحيم بعباده فقد احل لنا من الطيبات ما لايحصي عدده ونوعه وانما فصل المحرمات لانحصارها حتي نعرفها فنجتنبها قال تعالي وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا مااضطررتم اليه- فكان من رحمته انه جعل الاصل في الاشياء الاباحة حتي يدل الدليل علي التحريم هذا من كرمه سبحانه وتعالي
اما احتجاجهم بان الدين يسر فهي كلمة حق اريد بها الباطل فإن مفهوم اليسر ليس انتهاك المحرمات وإنما معناه المنع من تحميل الإنسان ما لايطيقه ورفع الإصر الذي كان في الأديان الأخري حيث جعل الله أمرالإسلام واسعًا وأنعم علي المسلمين بالرخص الشرعية كأمثال القصر والإفطار في السفر ففرق عظيم بين انتهاك المحرمات والأخذ بالرخص المشروعة وإن التسامح مع انتهاك المحرمات خلاف حكمة الله البالغة حيث ابتلي بها عباده لينظر كيف يعملون ويميز به اهل الجنة عن اهل النار ان اهل النار قد انغمسوا في الشهوات التي حفت بها النار واهل الجنة صبروا علي المكاره التي حفت بها الجنة فلولا هذا الابتلاء ما تميز العاصي من المطيع واهل الايمان ينظرون الي مشقة التكاليف بعين احتساب الاجر وامتثال امرالله لنيل رضاه فتهون عليهم المشقة واهل النفاق ينظرون الي مشقة التكابيف بعين الألم والتوجيع والحرمان فتكون الإطاعة عليهم شديدة والطاعة عسيرة فمن بات منتهكا لحرمات فانه قد جعل الله اهون الناظرين اليه ومن المعصية ان يقع الانسان في الحرام ثم يخبربه الناس ويعلمهم بما صنع زيادة في الفحشاء والمنكر وهذا من شر الخلق عياذا بالله فعن ابي هريرة (رض) قال سمعت رسول الله (صـ) يقول كل امتي معا في الا المجاهرين وان من المجاهرة ان يعمل الرجل باليل عملا ثم يصبح وقدستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف سترالله عنه والتساهل في ذالك داع اكبر إلى ذل الامة واهانتها في العالم- فعن جبير بن نفير لما فتحت قبرص فرق بين اهلها فبكي بعضهم الي بعض ورايت ابا الدرداء جالسا وجده يبكي فقلت له يا ابا الدرداء ما يبكيك في يوم اعز الله فيه الاسلام؟ قال ويحك ياجبير ما أهون الخلق علي الله اذاهم تركوا أمره بينما هي امة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا امر الله فصاروا الي ما ترى؟ وقال يحيى بن معاذ عجبت من ذي عقل يقول في دعائه اللهم لاتشمت بي الاعداء ثم هويشمت بنفسه كل عدو له قيل وكيف ذالك؟ قال يعصي الله فيشمت به في القيامة وقال ذوالنون المصري (رح) من خان الله في السر هتك ستره في العلانية. قال ابن القيم (رح) لم يقدره حق قدره من هان عليه امره فعصاه ونهيه فارتكبه وحقه فضيعه وذكره فأهمله وغفل قلبه عنه وكان هواه اثر عنده من طلب رضاه وطاعة المخلوق أهم عنده من طاعة الله ويستخف بنظر الله اليه واطلاعه عليه وهو في قبضته وناصيته بيده ويعظم نظر المخلوق اليه واطلاعه عليه بكل قلبه وجوارحه ويستخفي من الناس ولايستخفي من الله ويخشي الله ويعامل الخلق بأفضل ما عنده ومايقدر عليه وان عامل الله عامله بأهون ما عنده واحقره وان قام في خدمة من يحبه من البشر قام بالجد والاجتهاد وبذل النصيحة وقد افرغ له قلبه وجوارحه وقدمه علي كثير من مصالحه حتي اذا قام في حق ربه ان ساعده القدر قام قياما لايرضاه مخلوق من مخلوق مثله بذل له من ماله مايستحيي ان يواجه به مخلوق مثله فهل قدر الله حق قدره بهذا الوصف؟ وهل قدره من شارك بينه وبين عدوه في محض حقه من الاجلال والتعظيم والطاعة والذل والخضوع والخوف والرجاء: فعن ابن عباس (رض) قال قال رسول الله (ص) أبغض الناس الي الله ثلاثة ملحد في الحرام ومبتغ في الاسلام سنة الجاهلية ومطلبي دم امرأ بغير حق ليهريق دمه-
وعن ثوبان (رض) قال قال رسول الله (ص) يوشك الامم ان تداعي عليكم كما تداعي الاكلة الي قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ؟ قال بل انتم يومئذ كثير غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن- قال قائل وماالوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت-(رواه ابوداؤد) وعن ابن عباس (رض) قال ما ظهر الغلول في قوم الا القي الله في قلوبهم الرعب ولافشا الزنا في قوم الا كثر فيهم الموت ولا نقص المكيال والميزان الا قطع عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير حق الا فشا فيهم الدم ولاختر قوم بالعهد الا سلط عليهم العدو-(رواه مالك)
من المعلوم ان احوالنا واحوال بلاد المسلمين وعيشنا وعيش جميع المسلمين في انحاء العالم في العصر الراهن تطابق بمضامين الروايتين المكتوبتين مثل مطابقة النعل بالنعل كان قيل هما برؤية العين قائمين علي هذه البيئة.
وكانت في الحياة الجاهلية خنادق كبيرة وعميقة وفجوات عديدة وخلجان هائل بين شعب وشعب وبين قوم وقوم وبين قبيلة وقبيلة دون الامانة والخيانة وبين ايفاء المكيال ونقص الميزان وبين الحلف بالزور وغصب حقوق الاخرين وبين اكل اموال اليتامي ورفض حقوق الارامل، صور التاريخ ذالك المنظر الذي كان عاما في المجتمع البشري قبل الاسلام حتي كانوا يعيشون في الحرب والقتال بين الناس ولو كانت الغزوة ضد الاخ الشفيق ومن الاسف الشديد ان هذه الصور العدوانية ظهرت اليوم بابشع صور في ديار المسلمين فتفرقت الامة الاسلامية وتفسخت الي شيع واحزاب حتي اصبح الاخ الشفيق أشد علي أخيه من السياسة بدت الحرب بين ابناء الدولة الواحدة في العصر الراهن علي الصعيد الدولي فكيف اصبح حبيب الأمس عدو اليوم؟ تلك الخسارة والصور القبيحة ما حدثت علينا الا بانتهاك المحرمات والاستهانة بها في جميع مجتمعنا ظاهرا وباطنا.
فعلينا ان نهتم بتعظيم شعائر الله وحرماته والبعد عن انتهاكها وعدم الاستهانة بشرعه لنجاتنا ورفع شاننا في العصر الحاضر بين متبعي الأديان المروجة- نسأل الله برحمته ان يعظم دينه في قلوبنا وان يجعله احب الينا من كل شيئ.
الكاتب : نائب المدير وأستاذ الحديث بمدرسة ركن الاسلام خندلية فارا، رنغونيا، شيتاغونغ.