خطر العلمانية

خطر العلمانية

اعداد : الأستاذ عبد السلام الرياضي

الحمد لله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وعلمه ما لم يعلم، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على معلم البشرية وسيد الأنام، وعلى أسرته الطهرة، وأصحابه البررة، والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم القيامة.

أما بعد، فإن الأمة الإسلامية تمر اليوم بأسوأ فترة من فترات حياتها رغم أن الله امتن عليها بأفضال كثيرة كثيرة جدا؛ حيث أرسل إليهم أفضل رسله، وأنزل عليهم أفضل كتبه، ومنحهم أفضل دينه، فهم اليوم ضعاف مستذلة تسلط عليهم أشرار الناس من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان؛ وما ذلك إلا لإهمال الدين، والبعد عن الالتزام به، وهوالدين الذي أنزله الله على معلم البشرية محمد هداية ورشادا ومنهجا للحياة لهم، فتركهم على المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا زائغ.

و قد كان هذا البعد عن الدين مقصورا على طائفة من المسلمين، ولكنه الآن قد بدأ انسياح هذا الداء حتى تغلغل في طائفة  كبيرة من الأمة، وقد كان لانتشار العلمانية على المستوى الرسمي والفكري والإعلامي الأثر الكبير في ترسيخ هذا البعد وتثبيته، وحالت دون الرجوع لمرة أخرى إلى منبع الهداية ومعدن التقوى، والاستنارة بها

ومن هنا اخترت هذا الموضوع لكتابة المقالة لعل الله  ينفعني، وينفع بها المسلمين في تبصيرهم بحقيقة هذه الدعوة، ومصادرها، وخطرها وآثارها السيئة لنسارع إلى التحصن منها، ومقاومتها، وفضح دعاتها، والقضاء عليها بإذن الله حتى نعود إلى ديننا، وتعود العزة لنا كما قال الله تعالي : وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ 

قد أصبحت العلمانية في الأيام المتأخرة  أكثر مصطلحات تداولا بين الناس كمصطلح معاصر هام، لها خطورتها البالغة على المستوى العام والخاص، و في أرجاء الحياة كلها، وقد تناولها مئات من الكتاب والمؤلفين، كليا أو جزئيا، فكتبت ملايين الصفحات في العلمانية سواء أكان ذلك في قبولها وموافقتها فتأييدها، أو رفضها ومناهضتها فتنديدها.

العلمانية لغة : العلمانية كلمة مستحدثة ترجمة لكلمة

Secularism  في الإنكليزية و Secularite    في الفرنسية، وهي تعني في اللغة المعاني الآتية بمجملها: (1) الدنيوية أو المادية (2) ألا يكون دينيا أو روحيا (3) عدم الترهب أو عدم الرهبنة 

العلمانية اصطلاحا : وهي عبارة عن حركة اجتماعية تهدف إلى الناس من الاهتمام بالآخرة إلى العناية بالدنيا فحسب، أوهي فصل الدين عن الحياة كما هو ظاهر في المعاجم الإنجليزية، حيث يتحول العالم بأسره إلى المادية يوظفها الأقوى لحسابه على حساب الآخرين. وقال بعض المحققين : إن العلمانية هي إقامة الحياة الشخصية والاجتماعية والسياسية على اللادينية، وهي من المذاهب الفكرية الهدامة المعاصرة

وقد ساد هذا المذهب في أوربا الغربية كردة فعل على تسلط رجال الكنيسة بمبادئها المحرفة، وكانت نتيجة حتمية لواقع الغربي إثر صراع  دام مرير بين رجال الكهنوت ورجال العلم، فكانت فرنسا أول دولة تقيم نظامها على فلسفة الفكر العماني بعد ثورتها الشهيرة عام 1971 م، ولا غرابة في ذلك؛ لأن الدين النصراني المحرف لم يكن يمثل الوحي الإلهي، وإنما كان طقوسا خرافية وخزعبلات غير معقولة كبيع صكوك الغفران من قبل رجال الدين، ووقفهم ضد العلم وأهله، بل وهيمنتهم على الفكر والابتكاروالإبداع، وتعذيبهم العلماء المبتكرين

ثم تسربت العلمانية إلى العالم الإسلامي والمجتمعات الإسلامية والعربية بحكم النفوذ الغربي والاستعمار الغاشم رغم أنها فكرة مستوردة وبضاعة مزجاة لا تنسجم ومجتمعاتنا الإسلامية وفلسفاتها الدينية، بل تعارضها وتناقضها تماما، وإن كانت لها بعض المبررات في نشأتها في المجتمعات الغربية، ولكن ليس لها أي مسوغ هنا في المجتمعات الإسلامية؛ لأن الإسلام دين يحث على العلم والفكر والإبداع

فمن أخطر ما أصاب العالم الإسلامي هي هذه العلمانية بمفاسدها وأضرارها المتنوعة وبأبعادها الكثيرة المختلفة، منها ما يسمى الغزو الفكري والثقافي والديني اليهودي والتبشيري؛ فإنه قد ولد انحرافات كثيرة في العالم الإسلامي من الفتن والشهوات الملتهبة والأهواء الثائرة، وصب في العروق خدرا كثيرا، وشوه الحقائق، وأفسد الضمائر، وأضل الناس

لقد سخر الغرب كل إمكاناتهم العلمية والفنية والمادية والصناعية من أجل نشر هذه الجريمة في أنحاء المعمورة عامة، وفي العالم الإسلامي خاصة، وقد أحرز بذلك نجاحا ملحوظا بقدر من الله، وحكمة بالغة أرادها

ومن أخطر ما حققوه، ونجحوا فيه أن جعلوا بعض النفوس تفصل الدين عن الدنيا تصورا وإيمانا، وعلما وممارسة، وقانونا وتشريعا، فعزلوا الدنيا عن الآخرة، فأكبر همهم ومبلغ علمهم هي هذه الدنيا، فحصروا كل نشاطاتهم في الدنيا وحدها، وللدنيا وملذاتها وشهواتها وحدها

وكان من أخطر ثمرات العلمانية دخول القوانين الوضعية لتحل محل التشريع الإسلامي ولتكون منفصلة عنه وعن روحه، مع أن التحكيم بغير ما أنزل الله كفر بواح وإلحاد صراح بنص القرآن،  فهذا إذا نظام جاهلي، لا مكان لمعتقده في دائرة الإسلام من شيء، بل هو كافر بنص القرآن  ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون

ومن التحديات الكبرى التي تواجه جيل الإسلام في هذا العصر تحدي الحكومات العلمانية في المجتمعات الإسلامية في كل مكان تقريبا، وهذا التحدي الجائر المستبد يأكل الأخضر واليابس بسلطته وقوته، ويكبت الأحاسيس والوعي الديني، ويربي الأمة على الأسس اللادينية، ويسوق الأجيال الجديدة إلى الانحلال والإباحية والإلحاد والتشرد والضياع، ويؤخر تقدم الشعوب المسلمة في وحدتها السياسية، وعزتها الإسلامية قرونا بعد قرون

فالموضوع خطير في غاية الخطورة للأمة الإسلامية بل للبشرية جمعاء، فالمسلمون اليوم بحاجة ملحة إلى معالجتها في ضوء القرآن والسنة؛ ليكونوا على بصيرة وعلم من خطورة العلمانية، فيقاوموها مقاومة عالم حكيم لإقلاع جذورها وأصولها بإذن الله، وهو الموفق والمعين

الكاتب: أستاذ الحديث النبوي والدراسات العليا

بجامعة دار المعارف الإسلامية شيتاغونغ، بنغلاديش

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn