حقوق الأولاد تجاه الوالدين في ضوء القران والسنّة

حقوق الأولاد تجاه الوالدين في ضوء القران والسنّة

اعداد: عمر فاروق نثار

من الحقائق الناصعة ان الأولاد فلذات الأكباد, قرة الأعين, نبضة القلوب. وإذا بشر أحد بالمولود تلألأ وجهه بالفرح والسرور وتفجرت ينابيع البهجة في وجدانه . وهم أمل البشرية, رجال الغد في الأمة, نعمة عظيمة,  منحة كبري, هبة من الله يجب شكرها علي الآباء وهم قائمون مقام الوالدين حيا وميتا وكيف نتصور التساهل والإهمال عن الأولاد والأطفال لأن الأولاد لبنات المجتمع البشري . فإذا صلحوا صلح المجتمع البشري وإذا فسد فسد المجتمع. وسوء التربية بالأولاد يضر بالأولاد والوالدين والدولة والحقيقة إن لكل شيئ حقا وقد أكد الإسلام بأداء الحقوق حيث جاء في الحديث قال صاحب القرآن عليه أفضل الصلاة والتسليم”إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فاعط كل ذي حق حقه(من الدر المنثور في التفسير بالماثور) . وكذالك للأولاد حقوقا وضعتها الشريعة الإسلامية البيضاء . والإسلام قد أعطي منهجا فريدا في تربية الأولاد فمن اتبع منهج الإسلام في تربية الاولاد فيكون هؤلاء الأولاد فائزين بمرضاة الله عز وجلّ وبالحياة الرغيدة في الحياة الدنيا. والإسلام اعتني بحقوق الأولاد بمرحلتين . مرحلة قبل الولادة ومرحلة بعد الولادة .           

حقوق الأولاد قبل الولادة: حقوقهم قبل الولادة أهم الحقوق  منها انتخاب الأم الصالحة لأن الأم الصالحة مؤثرة في كون الأولاد صالحين وخبيثين والشيئ يتبع أصله وأمه حيث قال الصمد بهذا الصدد”والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذالك نصرف الآيات لقوم يشكرون” (الأعراف: 58 ). وبين نبينا العفيف في حديثه الشريف : حيث روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال “الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة “( رواه مسلم :1467 ). وقد هدانا النبي عليه أزكي السلام إلي أمارات المرأة الصالحة المتطهرة كما جاء في الحديث  عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام   “قال تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ” (رواه البخاري : 4802) .  فالحديث المسطور يخبرنا  بأنّ الرجال يتفحصون عن النساء الموصوفات بهذه الميزات الرئيسية . وحين وجدان المرأة الموصوفة بصفة الدين فقط لا يجاوز عنها إلا بها لأن صفة الدين لايعادلها الأوصاف الثلاثة الباقية . ولا شك في أن صلاح الوالدين هو سبب صلاح المولود  حيث أشار إليه الرحمن في كتابه الفرقان ” وأما الجدار فكان لغلاتين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا” (الكهف:82). والحسن والحسين إبنا عليّ رضي الله عنه أجمل أسوة وأليق نظيرا في صلاح المولود بسبب صلاح الوالدين عليّ وفاطمة ر ضي الله عنهما وكذالك شقاء الوالدين هو سبب شقاء الأبناء في كثير من الأحيان  .فثبت أن انتخاب الزوجة الصالحة  من حقوق الآباء علي الأبناء قبل وجودهم في الدنيا . وقد اعتني الإسلام بحفظ الأطفال عن نزغات الشيطان وشره . حيث جاء في الحديث عن إبن عباس رضي الله عنهما  قال قال النبي عليه السلام” لوأن أحدكم إذا أتي أهله قال اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني فإن كان بينهما ولد لم يضره الشيطان ولم يسلط عليه “( رواه البخاري) . ومما يجدر بالاهتمام هو الدعاء إلي الله سبحانه وتعالي قبل الولادة . ونجد في القرآن أسلوب الدعاء لطلب الأبناء . حيث نقل القرآن سؤال إبراهيم عن طلب غلامه الحليم عليهما السلام” ربّ هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم” (الصافات: 101) . فدعا بالولد الصالح . وهذا الدعاء يوافق بآية أخري ” فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين “(النساء:69 ). ههنا ذكر المحشر مع الصالحين .وكذالك حكي القرآن دعاء زكريا عليه السلام ” قال ربّ هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ” (آل عمران 38) ويدعو أيضا بهذا الدعاء ” ربنا هب لنا من أزواجنا وذرّياتنا قرة أعين وجعلنا للمتقين إماما ” الفرقان \ 74.

حقوق الأولاد علي الوالدين بعد الولادة : علي عاتق الوالدين حقوق شتي للولد وقد بينها الشرع توضيحا وتشريحا . وفي الأونة الأخيرة تحتفل كثير من الدول يوما بيوم حقوق الأولادالعالمي يذكر فيه حقوق الأولاد بنظرية مادية . والإسلام يذكر حقوقهم من غير انحصار بوقت ويوم ويراعي حقوقهم من الجهة الروحانية والمادية وحقوقهم مسطورة متتالية في الذيل الأذان في أذن المولود اليمني والإقامة في أذنه اليسري كلاهما مستحبّ عند بعض أهل العلم وهذا قول الحنفية والشافعية والحنابلة  وقال الإمام النووي رحمه الله تعالي بهذا الشأن في المجموع : السنة أن يؤذن في أذن المولود عند ولادته ذكرا كان أوانثي ويكون الآذان بلفظ أذان الصلاة  لحديث أبي رافع .

التحنيك : كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم أتو النبي عليه الصلاة والسلام بالصبيان فيدعو لهم للبركة ويحنكهم وكان التحنيك بالتمر حيث جاء في الحديث  عن عائشة رضي الله عنها قالت ”  إن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يؤتي بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ” (رواه مسلم )

تكريم المولود بالعقيقة : قد شرع الإسلام  بعضا من السنن التي ينبغي للآباء القيام بها إذا ما رزقوا بمولود . وذلك شكرا لله تعالي علي إنعامه بالمولود ودفاعا عن المولود من أنواع الأسقام والأمراض ومن المخاطر والبليّات  وقد فعلها نبينا الصادق والمصدوق عليه الصلاة والسلام عن الحسن والحسين . حيث جاء في الحديث عن سمرة بن جندب رصي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ” كل غلام رهينة بعقيقته تذبح يوم سابعه ويحلق ويسمي “{رواه أبو داود }

ومن حقوق الأولاد تسمية المولود:  كل متدين  من الآباء يسمون  أولادهم بما شاءوا من الأسامي لأن الإسم عنوان المسمي ودالّ عليه ولا يخفي علي أحد أن بين الأسماء والمسميات تناسبا وارتباطا ويعلم من التجربة إن للإسماء تاثيرا في المسميات من الحسن والقبح ولا بدّ للأسماء أن تكون مجردة عن الأسماء المحرمة وتزكيات للنفوس وأن تكون مبرءة عن شائبة الكفر والشرك  ولا ينبغي أن يسمي بأسماء الحيوانات المشهورة بالصفات المستهجنة كالتسمية بالحمار والكلب . وقد شجع النبي عليه السلام علي محاسن الأسماء حيث جاء في الحديث  عن إبن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلي صلي الله عليه وسلم الله عليه وسلم ” إن أحب إسمائكم إلي الله عبد الله وعبد الرحمن ” وروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله  ” إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آباءكم فحسنوا أسمائكم “{ رواه أحمد وإبن حبان }” و الأصح من الأقوال في تقديم التسمية علي العقيقة أن يسمي المولود في يومه الأول ويجوز أن يوخر إلي يوم عقيقته . وإن قدم أوأخر يسيرا فلا حرج” (تحفة المولود لإبن القيم \151 ’ زاد المعاد) . ومما يوسف بأن كثيرا من المسلمين يسمون بأسماء لاتليق بالمسلمين من غير التفات إلي المعاني . وهذه الأسماء تؤدي إلي الكفر أو هي مشتملة علي القباحة والرزالة.

حق الرضاعة : من قدرة الله جلّ وعلا الباهرة  إن الأطفال يتغذون من أثدية الأمهات . وهذا اللبن محتو علي طعام وشراب بالنسبة إلي جميع المأكل والمشرب وتغذية تامة وافرة مغنية عما عدا ذالك . وأيضا أن الإرضاع مفيد للأم كما صرح الأطباء الحاذقون الباحثون . وقد قال الله تعالي في هذا الإطار ” والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرضاعة ” (البقرة : 233) . فلذا لاينبغي أن يحرم المولود عن لبن الأمّ الطاهر المقوي  بلن آخر . ودلت الآيةعلي أن مدة الرضاعة عامان .

الإنفاق عليهم من مال الحلال وإبعادهم عن الحرام : غير خاف علي احد إن للحلال أثرا إيجابيا وكذا للحرام أثرا سلبيا في بدن الإنسان وفكره فالحلال يحث علي الأعمال الخيرية وبالحرام ينبعث الرغبة إلي المحارم . وهذه الحكمة الغامضة فهمت من الآية القرآنية. حيث أمر الله سبحانه المرسلين بالتغذية الطيبة والأعمال الصالحة  حيث قال الله تعالي في التنزيل العزيز ” يا أيها الرسل كلو من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم “( المؤمنون : 51 ).

التربية السديدة والرقابة القاضية : إن التربية الصالحة والعناية بالأولاد لها أشد أثرا في تشكيل الأولاد والتربية الصالحة نافعة لهم حالا ومآلا من إعطائهم القناطير المقنطرة من الذهب والفضة . حيث جاء في الحديث روي البخاريّ في صحيحه عن رسول الله  صلي الله عليه وسلم أنه قال ” ما من مولود إلا يولد علي الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ” فبالتربية الصالحة تنشأ الأولاد علي الفطرة الإسلامية  والتربية الرذيلة ترد الأولاد عن الفطرة والطبيعية. ولذا يعذب الكافر و المسلم المذنب إن شاء الله تعالي فأحاديث الرسول عليه السلام

مذخرة قيمة لتربية الأولاد كما روي الصحيحان عن عمرو إبن أبي سلمة رضي الله عنهما قال كنت غلاما في حجر الرسول عليه السلام وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم ياغلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي بعد ” (متفق عليه ) رواه البخاري في كتاب الأطعمة ” وكذا روي عن إبن عباس رضي الله عنهما قال يارسول الله! قد علمنا ماحق الوالد فما حقّ الولد؟  قال أن تحسن إسمه وتحسن أدبه . ومن المعلوم أنَّ التربية في الصغر كالنقش في نفوسهم  فيربي الوالدان علي الإسلام ويعلمهم الأخلاق الكريمة بجميع أشكالها ويعرفهم بالحلة والحرمة ويجنبهم عن الفحشاء والبذاءة وقال عليّ بن أبي طالب في تأديب الصغار ” من أدب ولده صغيرا سرّ به كبيرا ” وفي حديث آخر من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة ( رواه أبوداود عن أنس مرفوعا : فيض القدير : 178ج 6 ).ويرشدهم الأبوان إلي عرفان قدر الكبار والشيوخ لأنه جاء في الحديث الذي روي عن إبن عباس رضي الله عنهما ” البركة مع أكابركم”( رواه الطبراني في الأوسط ).

الحض علي العبادة : إن للعبادة أثرا كبيرا في تربية الأولاد. كما أن الصلوات يتعلم منها الأولاد المعاملة والمجاملة والحياة الاجتماعية . والأب يأخذ يد الإبن ويذهب به إلي المسجد . وكذالك يأمرهم الأب بالصلاة عملا بقول الرحمن الرحيم . حيث جاء في التنزيل العزيز ” واأمر أهلك بالصلاةواصطبر عليها لا نسئلك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوي “( طه : 132) .والأولاد والبنات من الأهل . وقد أوضح النبي عليه السلام  هذا الإطار بالغ الإيضاح . حيث يقول الرسول عليه أزكي التحية وأطيب السلام ” مرو أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع ” (رواه أبوداود :115  ج 1). أخي القاري ! نحن نري مجتمعنا بأن جما غفيرا من كبار الناس لايحضرون الصلوات  وكيف يتعلمون أولادهم الصلاة منهم رغم أنهم المثل الأعلي للأولاد ونبراس في دربهم والحكمة في الامر بالصلاة لأنها عماد الدين ورأس العبادة 

الاهتمام بتعليم الأولاد ما ينفعه في العاجل والآجل :ماأحسن ما قال القائلون إن العلم فقّارة الأمة ولا إدارة لشعب وجيل إلا بعلم وتجربة وإليه أشار سبحانه وتعالي” قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون إنما يتذكرأولو الألباب “( الزمر: 9) وقال تعالي في آية أخري ” قل هل يستوي الأعمي والبصيرأفلا تتفكرون ” (الأنعام: 50). ولا يخفي علي أحد أن العلم مفتاح التطور والرقي وزاد التقدم والعلي فردا واجتماعا  وما أروع ماقال بعض الشعراء ” العلم يبني بيوتا لاعماد لها * والجهل يهدم بيت العز والكرم ” وينبغي للآباء ان يغرس بذر الإيمان في قلب الأولاد لكي يغرس شجر الإيمان ويقوي وامتدت جذورها  في تراب قلوبهم اللينة. وقال أصحاب الرسول عليهم السلام : تعلمنا الإيمان ثم القرآن .فتعليم الإيمان اعتقادا واقرارا هوأساس العلوم كلها وقد جاء في سنن الترمذي  أنه عليه السلام  يبين لإبن عباس وهو غلام صغير يردفه  قال يا غلام ! إني أعلمك كلمات ” احفظ الله  يحفظك احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فاسئل الله وإذااستعنت  فاستعن  بالله  واعلم ان الأمة لواجتمعوا علي ان ينفعوك بشيئ لم ينفعوك إلا بشيئ قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا علي أن يضروك بشيئ إلا قد كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف ” (أخرجه الترمذي 2516). والجدير بالاعتناء  إن الأم أول معلمة  للأولاد في البيت وخضانة الأم فصله الدراسي ويتعلم الأولاد ما يرون بين أـيديهم من الخير والشر.وينبغي لها أن ترغبهم إلي الصدق ببيان حادثة فيها غلب الصدق ويرغبهم عن الكذب والخرافات ببيان حكاية صار فيها الكذب مغلوبا ومهزوما . وتحكي حكايات أولاد الصحابة والتابعين ومن بعدهم من التابعين فتعلمهم العدل والعفة وتجنبهم عن الشتم و الغيبة فالأم إن غرست خيرا في الحال تجد خيرا في المآل .وكذا بعكسه .  ومن تعاليم الأولاد الهامة تعليم القرآن الكريم لأنه عليه اليسلام قال في أحاديثه الذهبية ” أدبوا أولادكم علي ثلاث خصال حبّ نبيكم وحبّ أهل بيته وقراءة القرآن  فإن حملة القرآن في ظل الله يوم القيامة يوم لا ظلّ إلاظله مع أنبياءه واصفياءه “( رواه أبو نصر عبد الكريم الشيرازي في فوائده ). أيها القاري ! أن معلم البشرية صاحب الرسالة البيضاء قد عين معيار الخير لمن شغل بالقرآن تعلما وتعليما حيث قال الرسول عليه السلام خيركم من تعلم القرآن وعلمه” رواه البخاري4\وقد أمر الله سبحانه ميزات الشريعة ه1919 . )

العدل بين الأولاد : إن العدل بين الأولاد في العطايا والاموال من ميزات الشريعة المحمدية  وقد أمرالله سبحانه وتعالي بأداء الحقوق وامر معه بالعدل والاجتناب عن الخيانة  كما جاء في القرآن ” ياأيها الذين آمنوا لاتخون الله والرسول وتخونوا أماناتكم . وقد صرح الرسول هذا الحق بكل صراحة في كثير من أحاديثه الشريفة . حيث جاء في حديث  عن النعمان ابن بشير قال تصدق علي ابي ببعض ماله فقالت أمي لاأرضي حتي تشهد رسول الله  فانطلق أبي إلي النبي صلي الله عليه وسلم ليشهده علي صدقتي فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم أفعلت هذا بولدك كلهم

؟   قال لا قال اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي فرد تلك الصدقة “( متفق عليه واللفظ لمسلم ) …. يتبع .

الكاتب : الاستاذ الاعلي بالمدرسة العزيزية قاسم العلوم ، كودالا، رانغونيا، شيتاغونغ، بنغلاديش.

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn