العلّامة الشيخ اميرحسين (رحـ) كان اميرالمحدثين فى عصره
اعداد: الحافظ محمدجعفرالصادق
كان العلّامة الشيخ الحافظ اميرحسين (المعروف بميرصاحب) احدًا من التلامذة المعجبين بالشيخ العلامة المفتى عزيز الحق – الرئيس السابق للجامعة الاسلامية فتية شيتاغونغ بنغلاديش – ومن الاعلام البارعين المتواضعين ونجما ساطعًا فى سماء الحديث النبوى الشريف ، وكان درّس الكتب المهمة الدراسية مع تحلية منصب شيخ الحديث بالجامعة الإسلامية فتية ، ومن اَهمّ تلامذته كبارالعلماء والمشائخ فى بنغلاديش كالعلامة الشيخ سلطان ذوق الندوى والعلّامة هارون اسلام ابادى والعلّامة المفتى عبدالحليم البخارى والعلّامة ايوب(رح) وامثالهم – كان هذالشيخ انتقل الى جواررحمة ربّه بتاريخ 17/ من شهرجمادى الأولى عام 1404هـ الموافق 20/من شهرفبرائرعام 1984م – انالله وإنااليه راجعون –
ولد العلامة ميرحسين بن عبدالرؤف الخوندكار عام 1330هـ الموافق 1911 م بقرية رُودورى من انواره بمديرية شيتاغونغ ، وهو سليل اسرة علمية مرموقة وكان جده الشيخ مولانا اميرالزمان عالما نقيا ربانيا وكان ابوه عبدالرؤف مشتهرا بخوندكار فى نفس المنطقة ويجدر بالذكران “خوندكار”كلمة فارسية أصلها خوندكار بمعنى مدرّس وكان المجتمع عند اذمليئا بالجهل والرسومات والخرافات الجاهلية فالمجتمع فى حاجة ماسّة الى تعليم العلوم الاسلامية وعقيدتها الصحيحة وثقافتهاحيث لم يكن هناك أىّ انتظام اجتماعى للتعليم الإسلامى فرجال من المسلمين كانوايتعلمون القرآن الكريم والأدعية الماثورة والمسائل الدينية الضرورية برعاية شخصية اواسرّية ثم يقومون بتعليمها فى صحون المساجد اوكتاتيب القرية وهكذاكانوا يؤمون الصلوات المكتوبة ويعقدون الحفلات الدينية ولايكون لهم نظام دائمى لرواتب شهرية بل يعتمدون على تبرعات اسبوعية تسمّى بحفنة الارز ( وهذاالتروج العتيق بقى حتى الان اَيضا ) وعلى مااستفيدمن الأراضى الموقوفة للمساجد وهؤلاء الرجال يعتنون بالعمل على ماعلموا ويطبقونه على مجالات حياتهم الانسانية ويقومون باشاعته فى المجتمع ، فكانوا راسخين فى عقيدتهم والاتصاف بصفاتهم الإنسانية التى يجد ران تتبع فابوه الخوندكار عبدالرؤف كان رجلا تقيا متصفا بالصفات الحميدة المذكورة وله اربعة ابناء اكبرهم العلّامة اسماعيل ( رح ) ( مؤسس الجامعة الاسلامية مظاهرالعلوم مياخان نغر شيتاغونغ والمحدث بها ) واصغرهم العلّامة اميرحسين واَمّا اخواه محمد ابوالخيرالخوندكار وابوالحسين لم يكونا عالمين بل من احباب العلماء —
بداية تعليمه الابتدائى : إنّ الصبى اميرحسين حصل على التعاليم الدينية الابتدائية برعاية اسرته المثقفة وقدشاء الله سبحانه وتعالى ان يكون رجلا عبقريا تظهرفيه أمارات الحذاقة والذكاء منذنعومة اظفاره، وكان شقيقه الاكبرالعلّامة محمد اسماعيل استاذا اعلى بالجامعة العربية جيرى فتية
(جامعة دينية عتيقة ) كان يأتى مساءكل يوم الخميس إلى البيت ويرجع إلى الجامعة صباح يوم السبت ماشياحيث لم يكن مركب عنداذٍ وكان يرافق معه كل اسبوع عدة من تلامذته ويحلون على يده فى الطريق والبيت مايشكل من المواضع المغلقة والمواد الدينية فى الكتب المدروسة، كانّ طريق اياب وذهابهم مدرسة ممتدة دون مدرسة متروجة ولكن لايألون شيئا فى خدمة الاستاذ إن مسّته الحاجة ، وكان بيته يتنور ويتنضر بالتعليم والتعلم كل اسبوع والطفل اميرحسين كان يتنهزهذه الفرصة الذهبية فيرافق معهم فى الحصول على العلوم الدينية حتى عكف عكوفا كاملا على التعليم الدينى فكان يشعر بالابتهاج والتضجرعلى كرّيوم السبت والخميس ففطن شقيقه الاكبرميله ورجحانه وعزمه المتأصل فقال له يومًا أتريد ان تتعلم وتلتحق بالمدرسة فاجاب سرعة بنعم، فاعد الامتعة وحقائب السفرفرافق معه عندالخروج إلى الجامعة العربية جيرى حتى وصل إلى مدرسة أحلامه (جامعة جيرى )
التحاقه بجامعة جيرى :فالحق بها شقيقه الاكبربرعايته واشرافه وانتظم لسكونه فى حجرةالشيخ العلامة المفتى عزيزالحق – نورّالله مرقده – بشفاعته الخاصّة فبدأ ان يتقدم فى سبيل طلب العلم وليس تقدمه مثل التلاميذ الاخرين كانت طفولته وشبابه فى رقابة قاسية حيث ان العلّامة المفتى عزيزالحق يبذل له ودّه ورعايته كاب رؤف اوام حنون ، وامّاالمفتى عزيزالحق فمن رأس العلماء الاجلاء الذين لهم باع طويل فى مجال العلوم العقلية والنقلية وسيركامل وخبرة تامّة فى مجال الطريقة والمعرفة فاالعلامة اميرحسين يترعرع فى ظلال جامعةجيرى ويتربى تحت تربية شقيقه الاكبر وتحت رعاية خاصّة لمربيناالجليل العلامة المفتى عزيزالحق حتى صاركوكبا دريا فى سماء العلوم والفنون وكانه ورد فوّاحٌ للعلوم الشرعية والحكم الالهية قدسحرباريجه الاف من زنابيرالعلم والعرفان كما شاهدته الاوساط العلمية فى بلاد بنغلاديش، وكان يعترف بشفقة العلامة المفتى عزيزالحق وجهوده له حتى كان يقول باكيا: ليلة نمت فى الفصل الدراسىّ بجامعة جيرى بعدمراجعة الكتب ويترقبنى الاستاذ المفتى عزيزالحق الى ان خرج من الغرفة بمصباح الزيت يتفقدنى فاخيرا وجدنى نائما فى الفصل الدرسىّ فنادى ان يااميرحسين! تنام ههنا وانا ابحث عنك فى هذه الليلة الحالكة؟، وكان ينقل هذه الواقعة كثيراً كما حكاه ابنه الأصغرالاستاذ الحافظ عمر الفاروق-حفظه الله- استاذ الحديث وعميد شئون التعليم بالمدرسة الواحدية عزيزالعلوم منشى فارة بوالخالى شيتاغونغ-
وتلمذعلى كبارالعلماء البارزين المتخصصين فى جمع العلوم والفنون كشيخ الحديث عبدالودودالسنديفى والعلامة المفتى عزيزالحق والعلاّمة الشيخ اسماعيل وغيرهم وكان انهماكه فى المطالعة والدراسة وتفوّقه فيه ممايغبط لأجله رغم انه يصاب بمرض جسمانى فى غالب الاوقات حتى تخرج فيهاكعالم بارع موفّق نموذجى.
رحلته العلمية إلى جامعة دارالعلوم ديوبند : إن العلّامة اميرحسين ماابردغلته العلمية كاملاً فى جامعة جيرى فارادان يواصل الدراسات العليافارتحل عام 1354هـ بعد التخرج فيها الى جامعة دارالعلوم ديوبند التى تلقّب بازهرالهند فالتحق بها وامتازفى امتحان الالتحاق وقضى فيها ثلث سنوات تقريبا بتفوق وامتياز وقد سعد بان تلمّذعلى جبال العلوم والفنون كامثال شيخ الاسلام العلامة السيد حسين احمد المدني وشيخ التفسيرالعلامة شمس الحق الافغانى وشيخ الفنون ابراهيم البلياوى وشيخ الادب والفقه العلامة اعزازعلى(رحـ)
اهتمامه بتزكية النفس : فأحسّ بنقص فى العمل والتربية والتزكية بماعلم وكسب فى جامعة جيرى ودارالعلوم ديوبند فالتجأ إلى حكيم الامّة العلامة اشرف على التهانوىّ فبايعه على التربية وتزكية النفس ومن ضوابطه فى تدريس العلوم الربانية انه يأمر بوظيفة ومسئولية لمن بايعه حسب مايناسب مزاجه فاوجب على الشيخ اميرحسين ان يستغرق بمطالعة الكتب دائمًافوافق هذالدرس مع مزاجه كمايقال : طابق النعل بالنّعل – فانهمك فيه من نشاط جديد وايضاكان معتادًا ومشتهرًا به بين الزملاء حتى صارت المطالعة طبيعة له حيث يصعب ان يوجد له مثيل فى مداومة المطالعة فاخيرًا رجع إلى الوطن المألوف وهومخزن العلوم الظاهرة والروحانية –
وبهذاالصددبشرى سارة بانها سيؤلف كتاب ضخيم مشتمل لحياته المثالية فقد فوضت هذه المسئولية إلى فضيلة الأديب اللبيب العالم المبصر الاستاذ العلّامة فرقان الله خليل-حفظه الله تعالى-استاذالحديث ونائب الرئيس بجامعة دارالمعارف الاسلامية صاندغاؤ، شيتاغونغ.
فاخيرا ادعوالله عزوجل لإتمام هذاالعمل الصالح فى اقرب وقت – والله هوالموفق والمعين. (يتبع)
الكاتب : استاذ الأدب العربي والدراسات الاسلامية بالجامعة الإسلامية فتية، شيتاغونغ، بنغلاديش.
المدير المساعد : لمجلة بلاغ الشرق.